مع الشروق ..«الجهر» الداخليّ أساس إصلاح الإدارة
تاريخ النشر : 07:00 - 2024/09/13
علل كثيرة تصيب الإدارة التونسيّة تجعل أولويات الإصلاح متداخلة بين الرقمنة والحوكمة الرّشيدة أو التطهير الداخليّ، أو تطوير الأداء والخدمات الإداريّة .
لئن مثّل " الجهر الداخليّ" للإدارة التونسية أولويّة في تونس باركتها الحكومات المتعاقبة وصولا إلى الرئيس قيس سعيّد في إعلان الحرب على الفاسدين ، إلاّ أنّ الوعي بأهميّة الإصلاح الإداري يفرض عدم اختزال الحرب على الفساد في مربّع مسيّج وضيّق .
ذلك أنّ محاربة الفاسدين ، من مختلسين ، ومرتشين ، ومتسلّقين ،وكسالى ونافخين بطونهم وأرصدتهم من خيرات مؤسساتهم دون جهد وعرق ليسوا هم جوهر الموضوع وسبب الدّاء.
كما أنّ بدائية الإدارة ، وانغلاقها على نفسها وانعزالها الجغرافيّ و ارتهانها في البيروقراطيّة المقيتة ، لا تعتبر إلاّ جزءا فقط من المشكلة ، إذ يمكن العمل على حلّها لكنّها لا تعالج بأيّ شكل من الأشكال إداراتنا المريضة .
إنّنا نواجه اليوم مصطلحات جديدة تعكس الرّاهن الإداري المتطوّر في العالم، ذلك أنّ تطوير الإدارة ليس حربا على الفساد، ولا انخراطا في الرقمنة واندماجا في الشبكة العنكبوتيّة ، ولا هي توأمة مع التكنولوجيا أو تطاولا في البنيان وزخرفة للواجهات.
إنّ هذا العالم الرّحب بات يتحدّث عن الإدارة الصديقة للبيئة والإنسان .ولعلّ الأهم في هذا المجال الحرص على جعل الإدارة صديقة للمواطن . ذلك أنّ مصادقتها للبيئة باتت من تحصيل الحاصل في عالم فرضت فيه التغيّرات المناخية وهشاشة طبقة الأوزون التعويل على الاقتصاد الأخضر والمراهنة على المؤسسات والتكنولوجيا غير الملوّثة للبيئة..
مثل هذا الأمر تحسمه مخططات الدولة وعلاقاتها واستراتيجياتها ومدى انفتاحها على الدول المتطوّرة في المجال وقدرتها على تشبيك علاقاتها مع الصناديق والمنظمات العالمية المختصة وتفعيل دور كفاءاتها واستثمار خبراتها .
يبقى هنا أن يفرض مصطلح المؤسسة الصديقة للمواطن نفسه، وهي أساسا صداقة تتحقق بين الإدارة والمواطن ، بل بينه وبين العون أو الموظف الإداريّ . بل هي علاقة تمتدّ من عون الحراسة وعاملة النظافة، إلى الموظّف وصولا إلى المسؤول الإداريّ .تفرض وجوبا انخراط هؤلاء في تجسيد الإدارة الصديقة على أرض الواقع .
وهي في الأصل إدارة ضمائر وسلوك و ممارسات متحضّرة، تستوجب انتقالا سلوكيّا للطاقم الإداريّ بمختلف رتبه ومهامه من العلاقة الميكانيكيّة الآلية الروبوتيّة ، إلى العلاقة التفاعليّة المتحضّرة وأساسها التبسّم في وجه المواطن والكلمة الطيّبة .
إنّه من المؤسف جدّا ونحن نتحدّث عن الإصلاح الإداري أن نثير هذا الأمر الذي يبدو لدى البعض سخيفا . فالانتقال السلوكيّ يعني التحوّل من حالة إلى حالة، وعادة ما يحدث في إطار التطوير لا التراجع إلى الوراء ، وهذا التطوير يعني أن العلّة مستفحلة وعلاجها بات استعجاليا وأكيدا .
وحتى لا يبدو الأمر ضبابيا في علاقته بالفساد ، نشير إلى أنّ الموظف أو العامل أو المسؤول العبوس ، المتهاون، القامع للمواطن ، الصارخ في وجهه ، الشحيح في الإجابة عن أسئلته واستفساراته، المستفزّ لهدوئه ، المستنفذ لصبره بدافع الحاجة والضرورة هو أيضا لا يقل خطورة عن الإداري المرتشي والمختلس .
هؤلاء يملؤون إداراتنا ومستشفياتنا ووزاراتنا ومحاكمنا ، يعيش المواطن تحت رحمة أمزجتهم المتقلّبة و سلوكياتهم اللامتحضّرة ، يفرضون عليه القبول بهم كأمر مقضيّ أو يمارسون عليه سلوكهم العقابيّ بالتعطيل، والتسويف، و التأجيل و الإهانة وحتّى رفع الصوت ... ونعتقد أن من أولويات الإصلاح الإداري أن يُعطى الجانب النفسيّ والسلوكيّ والأخلاقيّ مستقبلا مكانة حاسمة عند الانتداب وهذا هو أساس " الجهر" الداخليّ.
وحيدة المي
علل كثيرة تصيب الإدارة التونسيّة تجعل أولويات الإصلاح متداخلة بين الرقمنة والحوكمة الرّشيدة أو التطهير الداخليّ، أو تطوير الأداء والخدمات الإداريّة .
لئن مثّل " الجهر الداخليّ" للإدارة التونسية أولويّة في تونس باركتها الحكومات المتعاقبة وصولا إلى الرئيس قيس سعيّد في إعلان الحرب على الفاسدين ، إلاّ أنّ الوعي بأهميّة الإصلاح الإداري يفرض عدم اختزال الحرب على الفساد في مربّع مسيّج وضيّق .
ذلك أنّ محاربة الفاسدين ، من مختلسين ، ومرتشين ، ومتسلّقين ،وكسالى ونافخين بطونهم وأرصدتهم من خيرات مؤسساتهم دون جهد وعرق ليسوا هم جوهر الموضوع وسبب الدّاء.
كما أنّ بدائية الإدارة ، وانغلاقها على نفسها وانعزالها الجغرافيّ و ارتهانها في البيروقراطيّة المقيتة ، لا تعتبر إلاّ جزءا فقط من المشكلة ، إذ يمكن العمل على حلّها لكنّها لا تعالج بأيّ شكل من الأشكال إداراتنا المريضة .
إنّنا نواجه اليوم مصطلحات جديدة تعكس الرّاهن الإداري المتطوّر في العالم، ذلك أنّ تطوير الإدارة ليس حربا على الفساد، ولا انخراطا في الرقمنة واندماجا في الشبكة العنكبوتيّة ، ولا هي توأمة مع التكنولوجيا أو تطاولا في البنيان وزخرفة للواجهات.
إنّ هذا العالم الرّحب بات يتحدّث عن الإدارة الصديقة للبيئة والإنسان .ولعلّ الأهم في هذا المجال الحرص على جعل الإدارة صديقة للمواطن . ذلك أنّ مصادقتها للبيئة باتت من تحصيل الحاصل في عالم فرضت فيه التغيّرات المناخية وهشاشة طبقة الأوزون التعويل على الاقتصاد الأخضر والمراهنة على المؤسسات والتكنولوجيا غير الملوّثة للبيئة..
مثل هذا الأمر تحسمه مخططات الدولة وعلاقاتها واستراتيجياتها ومدى انفتاحها على الدول المتطوّرة في المجال وقدرتها على تشبيك علاقاتها مع الصناديق والمنظمات العالمية المختصة وتفعيل دور كفاءاتها واستثمار خبراتها .
يبقى هنا أن يفرض مصطلح المؤسسة الصديقة للمواطن نفسه، وهي أساسا صداقة تتحقق بين الإدارة والمواطن ، بل بينه وبين العون أو الموظف الإداريّ . بل هي علاقة تمتدّ من عون الحراسة وعاملة النظافة، إلى الموظّف وصولا إلى المسؤول الإداريّ .تفرض وجوبا انخراط هؤلاء في تجسيد الإدارة الصديقة على أرض الواقع .
وهي في الأصل إدارة ضمائر وسلوك و ممارسات متحضّرة، تستوجب انتقالا سلوكيّا للطاقم الإداريّ بمختلف رتبه ومهامه من العلاقة الميكانيكيّة الآلية الروبوتيّة ، إلى العلاقة التفاعليّة المتحضّرة وأساسها التبسّم في وجه المواطن والكلمة الطيّبة .
إنّه من المؤسف جدّا ونحن نتحدّث عن الإصلاح الإداري أن نثير هذا الأمر الذي يبدو لدى البعض سخيفا . فالانتقال السلوكيّ يعني التحوّل من حالة إلى حالة، وعادة ما يحدث في إطار التطوير لا التراجع إلى الوراء ، وهذا التطوير يعني أن العلّة مستفحلة وعلاجها بات استعجاليا وأكيدا .
وحتى لا يبدو الأمر ضبابيا في علاقته بالفساد ، نشير إلى أنّ الموظف أو العامل أو المسؤول العبوس ، المتهاون، القامع للمواطن ، الصارخ في وجهه ، الشحيح في الإجابة عن أسئلته واستفساراته، المستفزّ لهدوئه ، المستنفذ لصبره بدافع الحاجة والضرورة هو أيضا لا يقل خطورة عن الإداري المرتشي والمختلس .
هؤلاء يملؤون إداراتنا ومستشفياتنا ووزاراتنا ومحاكمنا ، يعيش المواطن تحت رحمة أمزجتهم المتقلّبة و سلوكياتهم اللامتحضّرة ، يفرضون عليه القبول بهم كأمر مقضيّ أو يمارسون عليه سلوكهم العقابيّ بالتعطيل، والتسويف، و التأجيل و الإهانة وحتّى رفع الصوت ... ونعتقد أن من أولويات الإصلاح الإداري أن يُعطى الجانب النفسيّ والسلوكيّ والأخلاقيّ مستقبلا مكانة حاسمة عند الانتداب وهذا هو أساس " الجهر" الداخليّ.
وحيدة المي