مع الشروق..فرنسا ترضخ للأمر الواقع في افريقيا !

مع الشروق..فرنسا ترضخ للأمر الواقع في افريقيا !

تاريخ النشر : 10:18 - 2023/09/26

بعد أخذ ورد وبعد تعنّت مبني على مبدأ الرعاية والوصاية على سيادة الدول الأخرى، خضعت فرنسا أخيرا للأمر الواقع في بعض الدول الافريقية التي قرّرت أن تتخلّص من الإرث الفرنسي الطويل.
التمرّد على النفوذ الفرنسي لم يكن هذه المرة جزئيا أو خجولا كما وقع سابقا، بل بات يشبه ثورة عميقة وحمى تضرب كل يوم دولة جديدة،  فبعد مالي وبوركينا فاسو ، أصبحت النيجر هي الأخرى خارج الوصاية الفرنسية.
والشيء المشترك بين الدول الثلاثة المذكورة هو الحرص على اقتلاع النفوذ الفرنسي من جذوره، ليصل الأمر الى القطيعة التامة وحتى العداء، وهو أمر غير مسبوق بالنسبة لباريس التي لطالما حافظت على نفوذها بشتى الطرق.
هناك دافعان أساسيان لهذا التمرّد، الأوّل هو أن هذه الدول ضاقت ذرعا من السطوة الفرنسية التي ظلّت على حالها رغم تحرّر هذه البلدان منذ عقود من الاحتلال الفرنسي، لكنّها ظلّت رغم ذلك تحت احتلال ناعم جعل باريس بيدها كل شيء تقريبا.
أما الدافع الثاني فهو بروز خيارات أخرى لدى البلدان الافريقية، ونقصد هنا خاصة الصين وروسيا، ففي هؤلاء البلدان الثلاثة خاصة، كان الوقوف بقوة في وجه باريس مقرونا بالدعم الصيني الروسي القوي الذي ملأ سريعا الفراغ الفرنسي.
باريس التي تربّعت على عرش افريقيا أو الأصح ثروات افريقيا منذ عقود ، إما أنّها تفاجأت بهذا التمرّد الافريقي أو أنّها استسلمت للأمر الواقع ولم يعد باليد حيلة، وهو ما يظهر جليّا في ملف النيجر، الدولة التي تمثّل شريان حياة للطاقة الفرنسية.
فبعد تعنّت وتحدّ طويل للمجلس العسكري في النيجر ورفضها سحب سفيرها وقواتها، استسلمت أخيرا للأمر الواقع ، وأعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مساء اول أمس أن السفير الفرنسي في النيجر سيعود "في الساعات المقبلة" إلى فرنسا وأن القوات الفرنسية ستغادر هذا البلد بحلول نهاية العام.
باريس التي تعاملت مع ملف النيجر كمسألة حياة أو موت، يبدو أنها استسلمت في النهاية لبداية موت نفوذها في القارة السمراء، حيث أصبحت تحظى بكراهية ونقمة شعبيّة واسعة ضدّ مشاريعها الاستعماريّة.
هذا الأمر –الكراهية والنقمة الشعبية- كانت عاملا رئيسيا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث حظيت الانقلابات فيها ضدّ النفوذ الفرنسي بدعم والتفاف شعبي واسع، جعل فرنسا وحتى وكيلتها منظمة "الإيكواس" تتراجع عن الخيار العسكري.
وما زاد من تعرية الوصاية الفرنسية على الدول الأفريقية تحت مسمى الديمقراطية وحرية التعبير، هو انقلاب الغابون حيث لم تدنه باريس بتاتا ورحّبت به في صمت ما دام يدور في فلكها وضدّ النفوذ الصيني.
اكتشاف زيف رواية الديمقراطية في العقدين الأخيرين، لم يعرّ باريس فحسب بل عرّى كامل العالم الغربي الذي استخدم الأمر كوسيلة هيمنة وسيطرة واحتلال ، وهو ما شجّع عديد الدول الى التوجّه شرقا.
في النهاية الشعوب الافريقية وضعت أمام خيارين، إما الديمقراطية المزيّفة التي لا سيادة فيها لا على الثروات ولا على السيادة الوطنية ولا على أي شيء تقريبا، أو الديكتاتورية التي فيها شيء من السيادة الوطنية ومن التطوّر وإن كان على حساب الحريات.
الصيّن وروسيا مثلا، فهما اللعبة جيّدا وعرفا كيف تتم إزاحة فرنسا من على عرشها، فأحدهما(الصين) تقدّم الازدهار والتنمية والتطوّر وان كان بثمن عال، والأخرى(روسيا) تقدّم الحماية والأمن وهذان الأمران تحديدا – التنمية والأمن- هما ما تحتاجه أفريقيا الآن.
خوف باريس الآن هو أن يكون الأمر كعملية دقيقة مفتوحة لاستئصال نفوذها في افريقيا، وهو ما يعني كارثة كبرى اقتصادية وجيواستراتيجية، الأمر الذي لمّح له ماكرون الأشهر الماضية عندما خاطب الشعب الفرنسي بكل صراحة قائلا أن عهد  الرفاهية انتهى.
بدرالدّين السّيّاري

تعليقات الفيسبوك