مع الشروق .. وخرج الظفر من اللّحم

مع الشروق .. وخرج الظفر من اللّحم

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/05/23

اتّخذ تجريم التضامن مع القضية  الفلسطينية  مكانة أكبر في  كثير من الدّول العربية بدل أوروبا، إنها المفارقة العجيبة بما يجعل هذه المواقف الاحترازية والاحتياطية والجبانة وصمة عار  يندى لها الجبين في تاريخ هذه الدول. 
في وقت توحّد فيه الشّارع في  أغلب الدّول الأوروبية، حتّى المنخرطة منها في الجريمة على غزّة ، فإنّ دولا أخرى عربية  من المفروض أنّها شقيقة في الجغرافيا  والدّم تمنع اليوم الاحتجاجات والتظاهر وتقمعها بقبضة من حديد.
دولة مثل مصر صاحبة الشّعار الشّهير  :" عُمٰر  الدّم ما بيصير مَيّْ ، وعُمْر الظفر ما يطلع من اللّحم"، صدمت  العرب بموقفها المعادي لفلسطين الجارة وقد فتحت أبواب السّجن لمواطنيها المتضامنين مع القضية بما يفوق  مائة مواطن   منذ اندلاع  طوفان الأقصى  في السّابع من أكتوبر إلى اليوم.
باب السّجن ظلّ مفتوحا أمام المحتجّين، وآخرهم إيقاف طالبين بعد  إطلاقهما لحركة  «طلاب من أجل فلسطين»،  أحدهما في كلية  الطب رفضت السّلطات المصرية طلب العائلة  الإفراج عنه أو السّماح له باجتياز امتحان آخر  السنة ، لتُعدم مستقبله العلمي بسبب موقفه السياسيّ  الأخويّ والإنسانيّ.
 لم تتوقف الاعتقالات في مصر، بل  شملت نشطاء  لمجرّد تعليقهم لافتة أعلنوا فيها  التضامن مع  فلسطبن ، وتواصلت  المداهمات  الأمنية لتطارد  الطلبة والمتضامنين في منازلهم، بل طال المنع  حتى تنظيم تظاهرات سلمية لمجرّد التضامن مع غزة لا غير .!!.
الغريب أنّ التهمة الموجهة لهؤلاء  هي "المشاركة في جماعة إرهابية وتجمّعات  "!!، و الأغرب من  ذلك أنّ  نيابة أمن الدّولة العُليا  تنظر في قضايا هؤلاء باعتبار أن ما صدر عنهم  يعدّ إرهابا   يهدّد   أمن الدولة. نفهم من ذلك أنّ مساندة القضية  الفلسطينية  يهدّد أمن مصر،  لتصطفّ بهذا الموقف العار  وراء  الكيان الصهيوني وأمريكا عندما هرولا مع الحُلفاء  التبّع إلى اتّهام  المقاومة بالإرهابية والدّفاع عن الأرض إرهابا.
 يصبّ كلّ هذا الترهيب و إحكام قبضة المؤسسة  الأمنية  على المواطنين  في خانة  منع أيّ  محاولات شعبية للتّعبير عن التضامن مع فلسطين، ليشمل تجريم المساندة المغرب أيضا من خلال محاولات لقمع حِراك الشّارع  آخرها  منتصف ماي الجاري  عندما ألقى الأمن  القبض على مُشجّع  اقتحم الملعب البلدي بعلم فلسطين  خلال مباراة جمعت المغرب ومصر ،  ولئن  تمّ إطلاق سراحه بعد  الإيقاف، إلاّ أنّه   ينتظر  المثول  أمام المحكمة  موفى الشّهر   بسبب رسالته العفوية المساندة لغزّة والغزويين والحقّ الفلسطينيّ.
الجارة الأردن  أيضا منعت التظاهر وكل تجمّع على الحدود مع فلسطين ،  وشنّت حملة اعتقالات  ضد نشطاء ومتظاهرين مؤيدين للقضية رغم انتفاض الشّارع الأردني على نظامته المطبّع والهتاف بالانتصار لغزّة والمطالبة بإيقاف المذبحة. .
بمثل هذه المواقف المُخزية أصبح الدّم ماءً وخرج الظفر من اللّحم ، و تكتّل الإخوة الأعداء بوضع اليد في اليد مع العدوّ ، وأصبحت تهم الإرهاب  تُكال من العرب أنفسهم ضدّ مواطنيهم  لارتباطات مصلحية وثيقة مع الصهاينة وتخندقهم في التّطبيع والخيانة.و تورّط الأنظمة  في الصمت الجبان والخوف  الأعمى ، حتّى أصبح العدوّ هو المواطن  المساند و المُقاوم.
ما يحدث في المغرب والأردن ، ومصر و غيرها  من دول  أخرى  مازال موقفها بين أبيض و أسود في حياد  لا يُقرأ إلاّ سلبا ، يرتبط شديد الارتباط بالموقف الرّسمي ، فإذا كان مساندا  وداعما ارتفع سقف التعبير عاليا و كان صوت الشّارع شجاعا، وغير ذلك  فإنّه لا حلول أمام الأنظمة الخانعة والبائعة  والمطأطئة غير الاحتماء بالقمع  وإخماد  حتّى المُجاهرة بالشّعارات أو رفع العلم الفلسطيني . 
 ففي تونس ، عندما كان الموقف الرّسمي منذ البداية مساندا ، وخرج الرّئيس قيس سعيّد على الجميع بموقفه الواضح تجاه القضيّة الفلسطينية ورفّع من سقف الجرأة إلى المطالبة بكلّ فلسطين من الماء إلى الماء ، تحرّك الشّارع ، وانتفض ، وانخرط  الجّميع في حملة مساندة واسعة شملت جميع المؤسسات والأنشطة،  كما اقتحمت الملاعب الرّياضية وعلت الأصوات بلا خوف وباتت فلسطين  شعارا يُرفع حتّى في رياض الأطفال.
من هنا ، نُدرك كيف يتناغم  الشّارع  مع البيت السياسيّ ، وكيف يحدُث التنافر إلى درجة التصادم  والمواجهة واللجوء إلى القمع عندما تتضارب المواقف.
رغم مسائل خلافية من هنا وهناك  في تونس ،فإن  القضية الفلسطينية وحّدت المشهد السياسي، ومنحت الشجاعة للشّارع كي ينتفض بلا خوف،  وعزّزت في التونسيّ روح المقاومة لأجل نصرة فلسطين. ولولا الموقف السياديّ المشرّف  لكان التعاطي مع غضب الشّارع على الكيان العدوّ بنفس قبضة الحديد الموجعة  لمصر على شعبها رغم علاقة الشّعب المصري الوطيدة بالقضية الفلسطينية.
وحيدة المي

تعليقات الفيسبوك