مع الشروق .. لماذا يُماطل صندوق النقد الدولي تونس؟

مع الشروق .. لماذا يُماطل صندوق النقد الدولي تونس؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/06/09

لا يمكن تفسير تأخر صندوق النقد الدولي في منح القرض المنتظر إلى تونس سوى بالمماطلة الغامضة وغير المُبرّرة التي تثير الشكوك حول ما قد تُخفيه من حسابات وغايات أخرى بعيدة عن مُبرر تأخر الإصلاحات. فعديد المؤشرات تؤكد أن تونس ملتزمة بمختلف الإصلاحات التي وضعها الصندوق وتعمل على تنفيذها لكن وفق ظروفها ووضعيتها المالية والاقتصادية والاجتماعية. وكل المعطيات تقول ان بعض التأخير الحاصل في إتمام بعض الإصلاحات ليس سوى نتيجة ما يُعانيه الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد من مخلفات عشرية ما بعد 2011.
ويُبدي صندوق النقد الدولي اليوم تصلبا تجاه الحالة التونسية وهو ما زاد من ارباك الوضع العام في البلاد، خصوصا أن موافقة الصندوق ترتبط بها كل موافقات التمويل الأخرى من الدول الصديقة والمؤسسات المالية بما في ذلك البنوك والصناديق والمصارف العربية والافريقية وغيرها. وهو ما لا يستقيم اليوم خصوصا أن عديد الأطراف – بما في ذلك الأوروبية – عبرت ولا تزال عن شديد انشغالها بالملف التونسي لدى صندوق النقد الدولي وطلبت منه اكثر من مرة ان يتحلى بالمرونة تجاه تونس وأن يشرع في صرف جزء من التمويلات بالتوازي مع الإصلاحات.
وإذا كان صندوق النقد الدولي يبدي اليوم كل هذا التصلب تجاه تونس في ما يتعلق بضرورة رفع الدعم تماما عن المحروقات والمواد الغذائية وبتجميد الأجور ووقف الانتدابات، فعليه أن يعلم أيضا ان تبعات ذلك لن تكون بالامر الهين خاصة على الصعيد الاجتماعي ومن حيث الاستقرار العام في البلاد سياسيا وامنيا. فالتونسيون لن يقدروا على تحمل المزيد من الصعوبات المعيشية التي سيتسبب فيها رفع الدعم، خاصة في ظل الارتفاع الكبير للأسعار، والدولة قد تقف عاجزة امام التقلبات الاجتماعية وخاصة امام تدفق المهاجرين غير الشرعيين نتيجة وضعها الاقتصادي والمالي الصعب.
وقد كان على صندوق النقد الدولي أن يتفهم خصوصية الحالة التونسية وأن لا يُحمل السلطة القائمة اليوم عبء التعجيل باصلاح أخطاء عشرية كاملة لم تجن منها تونس سوى الضعف الاقتصادي والاستنزاف المالي بعد أن عملت عديد القوى الأجنبية على الدفع بتونس نحو انتقال ديمقراطي كان ثمنه الاقتصادي والمالي والاجتماعي باهظا جدا. فهذه القوى الأجنبية قدمت كل اشكال التمويلات لتونس من قروض ومساعدات وهبات بآلاف المليارات، لكن جميعها وقع استهلاكها في مجال الانتقال السياسي ولم يستفد منها المجال الاقتصادي والتنموي، وتضطر اليوم رغم كل ذلك لسدادها ..
صحيح أن تونس تأخرت في إتمام بعض الإصلاحات التي يفرضها صندوق النقد الدولي، لكن الوضع ليس بتلك الدرجة الكارثية التي قد تتراءى للصندوق. فتونس محافظة نسبيا الى اليوم على تماسكها المالي ولم تتأخر عن سداد تعهداتها المالية السابقة (القروض) التي «أُغرقت» فيها. وتونس تؤمن اليوم الحد المطلوب من النفقات العمومية الضرورية والواردات ومن رصيد العملة الأجنبية رغم الوضع العالمي الصعب.. وتونس محافظة على الحد المطلوب من الاستقرار الاقتصادي رغم مختلف الصعوبات الداخلية والخارجية، ونسبة النمو فيها مرشحة لبلوغ 2.3 % في سنة 2023 (مقابل 2.2 % في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا). وتونس أيضا ناجحة الى الآن في المحافظة على الاستقرار الأمني والاجتماعي، رغم مختلف التقلبات في علاقة بملف الإرهاب وتدفق المهاجرين غير الشرعيين والفساد والجريمة المنظمة.
كل ذلك يؤكد أن الوضع في تونس ليس بالدرجة السيئة التي من شأنها أن تدفع بصندوق النقد الدولي نحو المماطلة في إسنادها التمويل المنتظر وخاصة نحو العمل على غلق بقية منافذ التمويل الأخرى أمامها..  فالوضع يتطلب مراعاة خصوصية الحالة التونسية، أما مواصلة الصندوق هذا التمشي تجاه تونس فإنها لن تؤدي سوى لمزيد تفاقم الأوضاع فيها نحو الأسوأ، لكن الثابت هو ان تونس لن تكون وحدها متضررة من هذا الوضع..
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك