مع الشروق : دولة فلسطينية... بين الاعتراف والتطبيق

مع الشروق : دولة فلسطينية... بين الاعتراف والتطبيق

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/09/23

على وقع إبادة جماعية مستمرة منذ قرابة العامين في قطاع غزة، ضربت موجة اعترافات كبرى بالدولة الفلسطينية العالم، في خطوة انقسمت الآراء حول جدواها وفاعليتها في هذا التوقيت.
من حيث المبدأ، يمثّل اعتراف دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا وكندا واستراليا و البرتغال وغيرهم  بالدول الفلسطينية على حدود الرابع من جوان 1967، خطوة رمزية مهمّة في مسار الصراع في الأراضي المحتلة.
أهمية رمزية هذه الخطوة تأتي من كونها ثبّتت الحق الفلسطيني مهما تقادم الزمن، وهي دفعة قانونية أيضا في مسار تطبيق القانون الدولي وقطع الطريق على إنكار الكيان الصهيوني لوجود او قيام أي دولة فلسطينية.
لكن في المقابل، تبقى مجرّد خطوة اذا لم تقترن بخطوات أخرى حقيقية وملموسة على أرض الواقع، من قبيل فرض عقوبات كبرى على الكيان الصهيوني وحصاره اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.
فالكيان الصهيوني الذي أثبت من نشأته أنّه فوق كل القوانين والأعراف الدولية، وأنّه كيان ايديولوجي يستمدّ وجوده من هلوسات دينية لمجموعات متطرّفة  تعتبر نفسها "الشعب المختار" وتنفي الوجود الفلسطيني، بات بلا حسيب او رقيب.
ومع الدعم الامريكي اللامتناهي على جميع الأصعدة، أصبح هذا الكيان يتحدّى العالم أجمع، ويمضي في خططه في الاراضي المحتلة وفي الأراضي العربية الأخرى وفق مشروع "اسرائيل الكبرى" بطريقة جنونية غير مسبوقة.
لكن الابادة الوحشية الجارية منذ عامين في القطاع وخطوات ضمّ الضفة وغور الأردن والرفض القاطع لقيام أي دولة فلسطينية، قلب الرأي العام الدولي وفرض على الحكومات الغربية خاصّة الانصياع  لإرادات شعوبها التي تملأ الشوارع.
والاعتراف بالدولة الفلسطينية من دول حليفة وثيقة للاحتلال، هو ضربة قوية للسياسات الصهيونية الساعية  إلى "الحسم التاريخي" وإنهاء الوجود الفلسطيني على الأراضي المحتلة.
والأهم من ذلك كلّه، هو أن هذا الاعتراف على رمزيته ،رفع غطاء الدعم الغربي  اللا مشروط للكيان الصهيوني، و بيّن ايضا ان العالم الغربي سئم من الغطاء السياسي والدبلوماسي والعسكري للاحتلال.
هذا التحوّل في المواقف الغربية خاصّة من دولة كبريطانيا المساهم الرئيسي في كل هذه النكبة والابادة للفلسطينيين (وعد بلفور)، قد يكون له أثر كبير إذا ما أخذ زخما اقليميا ودوليا.
وبالفعل فقد حشر هذا الاعتراف كل من الكيان الصهيوني وأمريكا في الزاوية، وأخرجهما في صورة مرتكبي إبادة ومتمرّدين على الإرادة والشرعية الدولية، وفيما الأول أصبح كيانا منبوذا ومعزولا دوليا، باتت واشنطن هي الأخرى في قلب عاصفة الاتهام بارتكاب ابادة جماعية وحماية مرتكبيها وفي حالة عزلة وتمرّد وتحدّ للإرادة الدولية.
الجديد في هذا الاعتراف بالدول الفلسطينية، أن هذه القضية العادلة لم تعد قضية الفلسطينيين والعرب فقط، بل أصبحت قضية كل الشعوب الحرة التي أجبرت ساسة حكوماتها على التماهي معها والخروج من دائرة الارتهان للوبي الصهيوني ومن دائرة الذنب من المحرقة النازية التي امتهنها الكيان الصهيوني كسياسة مظلومية من أجل ارتكابها مجدّدا على شعب آخر دون أي وجه حق.
لكن في المحصّلة فإن الخطوة ستبقى مجرّد حبر على ورق وحركة رمزية، إذا لم تقترن بخطوات حقيقية ملموسة على أرض الواقع تضع حدّا للعربدة الصهيونية وتجبره على الرضوخ للقوانين والقرارات والشرعية الدولية.
بدرالدّين السّيّاري
 

تعليقات الفيسبوك