مع الشروق : الزّيت ثروة وليست طريقة إثراء
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/12/21
في كل موسم فلاحي تتجدد ذات المشاكل التي يواجهها الفلاحون المنتجون للزيتون، مما يهدد بصفة جذرية مستقبل هذا القطاع، الذي يشكل ثورة حقيقية وطنية مازالت غير مستثمرة على الوجه الأكمل.
موسم جني الزيتون هو شبيه إلى حد بعيد بقطاع التعليم و بالعودة المدرسية و بمواسم النجاح عقب الامتحانات الوطنية، فهو يهمّ ملايين التونسيين الذي تنتعش خزائنهم من مردودية الشجرة المباركة. غير أنّ هذا الموسم جعله المضاربون و المتلاعبون بالأسعار، يتحوّل تدريجيا إلى موسم للنقمة و لزرع بذور الاحتجاج بسبب تلك الأفعال التي يأتيها المضاربون للإضرار بالمنتجين وصغار الفلاحين، وليحققوا هم أرباحا خيالية وعائدات لم يجتهدوا في إنتاجها و لم يعرقوا من أجلها. هؤلاء الذين يتلاعبون موسميا بصابة الزيتون لا همّ لهم سوى الإثراء السريع، حتى بالطرق غير المشروعة، فيكفي أن يتلاعبوا بنشر أسعار الباز حتى تهوي الأسعار لدى المنتجين فتلحقهم خسائر فادحة لا يعوضها أحد بما في ذلك الدولة التي ظلت عاجزة أمام هذه «المافيا» و لم تستطع أن تقلم أظافرها حتى يستقر الأمر بصفة نهائية فيستفيد الفلاح و المستهلك و المصدر و تجني الدولة عائدات من العملة الصعبة تمكنها من التغلب على العجز التجاري المسلط.
عندما نقول إن زيت الزيتون ثروة و ليس طريقا لللإثراء، فذلك يعني أنّ هذه الثروة هي أكثر من أن تكون عائدات مالية، بل هي في الاصل تراث و عادات و تقاليد و نمط غذائي و نمط اجتماعي واقتصادي شامل ينهض بالإنسان و يجذره في الأرض التي نبع منها. وهذه هي الحلقة المفقودة في بلدنا عند التعاطي مع هذا القطاع الاستراتيجي. فهو و إن كان ينتمي للفلاحة التقليدية فإن ممكنات العصرنة فيه هائلة و القدرات التشغيلية و التصديرية هائلة، كما أنه قطاع تحويلي و صناعي و بحثي علمي لم نصل بعد إلى اكتشاف ممكناته. و هذه المرتكزات هي التي تقودنا إلى القول بأنه ثورة لا تقدر بثمن لأننا لو قدرناه حقّ ما يستحقّ لاستطعنا أن نضاعف عائداته مرات و مرات، ولكن هل يوجد في هذا القطاع عقل استراتيجي يستند إلى مرجعية واضحة المنطلقات والغايات يستطيع أن يغيّر وجه الاستثمار والتصنيع والتحويل والتصدير بصفة جذريّة؟ نعتقد أن المسألة تستحق فعليّا عملا جادّا بعيدا عن التفكير الآني، عملا ينطلق من قاعدة أن هذه الثروة الوطنية يمكن أن يستفيد منها الجميع على قاعدة المساواة.
كمال بالهادي
في كل موسم فلاحي تتجدد ذات المشاكل التي يواجهها الفلاحون المنتجون للزيتون، مما يهدد بصفة جذرية مستقبل هذا القطاع، الذي يشكل ثورة حقيقية وطنية مازالت غير مستثمرة على الوجه الأكمل.
موسم جني الزيتون هو شبيه إلى حد بعيد بقطاع التعليم و بالعودة المدرسية و بمواسم النجاح عقب الامتحانات الوطنية، فهو يهمّ ملايين التونسيين الذي تنتعش خزائنهم من مردودية الشجرة المباركة. غير أنّ هذا الموسم جعله المضاربون و المتلاعبون بالأسعار، يتحوّل تدريجيا إلى موسم للنقمة و لزرع بذور الاحتجاج بسبب تلك الأفعال التي يأتيها المضاربون للإضرار بالمنتجين وصغار الفلاحين، وليحققوا هم أرباحا خيالية وعائدات لم يجتهدوا في إنتاجها و لم يعرقوا من أجلها. هؤلاء الذين يتلاعبون موسميا بصابة الزيتون لا همّ لهم سوى الإثراء السريع، حتى بالطرق غير المشروعة، فيكفي أن يتلاعبوا بنشر أسعار الباز حتى تهوي الأسعار لدى المنتجين فتلحقهم خسائر فادحة لا يعوضها أحد بما في ذلك الدولة التي ظلت عاجزة أمام هذه «المافيا» و لم تستطع أن تقلم أظافرها حتى يستقر الأمر بصفة نهائية فيستفيد الفلاح و المستهلك و المصدر و تجني الدولة عائدات من العملة الصعبة تمكنها من التغلب على العجز التجاري المسلط.
عندما نقول إن زيت الزيتون ثروة و ليس طريقا لللإثراء، فذلك يعني أنّ هذه الثروة هي أكثر من أن تكون عائدات مالية، بل هي في الاصل تراث و عادات و تقاليد و نمط غذائي و نمط اجتماعي واقتصادي شامل ينهض بالإنسان و يجذره في الأرض التي نبع منها. وهذه هي الحلقة المفقودة في بلدنا عند التعاطي مع هذا القطاع الاستراتيجي. فهو و إن كان ينتمي للفلاحة التقليدية فإن ممكنات العصرنة فيه هائلة و القدرات التشغيلية و التصديرية هائلة، كما أنه قطاع تحويلي و صناعي و بحثي علمي لم نصل بعد إلى اكتشاف ممكناته. و هذه المرتكزات هي التي تقودنا إلى القول بأنه ثورة لا تقدر بثمن لأننا لو قدرناه حقّ ما يستحقّ لاستطعنا أن نضاعف عائداته مرات و مرات، ولكن هل يوجد في هذا القطاع عقل استراتيجي يستند إلى مرجعية واضحة المنطلقات والغايات يستطيع أن يغيّر وجه الاستثمار والتصنيع والتحويل والتصدير بصفة جذريّة؟ نعتقد أن المسألة تستحق فعليّا عملا جادّا بعيدا عن التفكير الآني، عملا ينطلق من قاعدة أن هذه الثروة الوطنية يمكن أن يستفيد منها الجميع على قاعدة المساواة.
كمال بالهادي