مع الشروق .. التعليــم مسألــة أمــن قومــي أيضــا

مع الشروق .. التعليــم مسألــة أمــن قومــي أيضــا

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/05/26

ما كاد الارتياح يدبّ في نفوس الأولياء والتلاميذ والرأي العام إثر امضاء اتفاق بين وزارة التربية وجامعة الثانوي حول ازمة حجب الأعداد حتى برزت أزمة – بل أزمات -  أخرى في علاقة بالخلاف الذي أصبح يشق صفّ أساتذة الثانوي وأيضا بالإشكال الذي أثارته جامعة موظفي وزارة التربية حول مسألة إدراج الأعداد بالمنظومة الرقمية، وفي علاقة كذلك بتواصل قرار حجب الإعداد في سلك التعليم الأساسي.
وتبعا لذلك بدا هذا الاتفاق بمثابة نقطة مضيئة صغيرة وسط عتمة شاملة مازالت تُخيم على قطاع التعليم برمته، وخطوة بلا معنى وسط أزمات «تاريخية» شاملة ودائمة يتخبط فيها التعليم منذ سنوات دون أن تُعرف لها نهاية إلى اليوم ودون أن تهتدي أية سلطة من السلطات المتعاقبة إلى طريق لانقاذه وإصلاحه. وهو ما أصبح يمثل هاجسا وطنيا كبيرا بما أن الامر يهم كل التونسيين تقريبا..
ورغم أن دولة الاستقلال راهنت على التعليم لإنتاج ثروة وطنية لا تقل أهمية عن بقية الثروات الطبيعية و بوأته مكانة هامة صلب اهتماماتها التنموية فأصبحت الثروة البشرية التونسية محطّ أنظار كل العالم، إلا أن دولة السنوات الموالية لم تنجح في الحفاظ على هذا المكسب الهام وأصبحت سياستها التعليمية خاصة في العشريتين الأخيرتين هشة وضعيفة وغير مبالية بقيمة وأهمية هذا المكسب الهام.
ونتيجة لذلك دخل التعليم مرحلة أزمات عميقة وشاملة مازالت متواصلة الى اليوم وفي مقدمتها أزمة البرامج الضعيفة ومنتهية الصلاحية وأزمة البنية التحتية الكارثية داخل المؤسسات التربوية وأزمة الزمن المدرسي « الثقيل» وأزمة تخلف بيداغوجيا التعليم عن ركب الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة وأزمة الاكتظاظ داخل الأقسام وأزمة نقص المدرسين وضعف التأجير وغيرها من الأزمات.
تراكمات عديدة جعلت قطاع التعليم في تونس مهددا بالضياع وتحول مع تقدم الأيام إلى قطاع مهمّش وكأنه خارج حسابات الدولة، والأخطر من ذلك أنه أصبح شبيها بالكرة التي يتبادل تقاذفها كل المتدخلين لتضيع في الأثناء مصلحة التلميذ الفضلى والمصلحة الوطنية برمتها بدل أن يكون قطاعا أسمى وأرقى من كل أنواع التعطيل وبعيدا عن كل أشكال التهميش واللامبالاة..
في دول عديدة، يُصنّف التعليم على أنه ملف أمن قومي، لا يجوز معه التلاعب والتهميش ولا مكان فيه للفوضى والتعطيلات المختلفة، وتُمنع فيه كل أشكال التهاون والإخلال ويخضع فيه الجميع، من تلاميذ ومربين وسلطة اشراف الى نواميس وتقاليد تاريخية نابعة من هيبة التعلّم والعلم وقداسة الفكر والتربية السليمة ووقار المُعلّم والمُتعلّم لا يجوز المس بها وإلى قوانين وضوابط صارمة لا تجوز مخالفتها..
والتعليم مسألة أمن قومي بامتياز ولا يقل شأنا عن الأمن الغذائي ولا عن الامن الطاقي او الأمن الاقتصادي ولا عن الأمن الفلاحي والمائي ولا عن الأمن الداخلي والخارجي للدولة (بالمفهوم الأمني). ودون تعليم راق ومستقر ومتطور، لا أمل للدولة في إنتاج ثروة بشرية تتداول على مقاليد القيادة الاقتصادية والتنموية والإدارية ولا أمل لها بالتالي في النهوض باقتصادها ونموها.. ولا أمل لها أيضا في مجتمع مستقر وراق وآمن (بالمفهوم الأمني) بالنظر إلى تداعيات الانقطاع المدرسي على المجتمع في مجال البطالة والجريمة والانحراف والهجرة غير الشرعية والمخدرات والتطرف الفكري.
أزمة شاملة وعميقة ما انفكت تُخيم على قطاع التعليم في تونس وطالت أكثر من اللزوم وتحولت الى هاجس وطني ثقيل وأصبحت تتطلب من الجميع، سلطة ومتدخلين مختلفين، التعجيل بإخراج هذا المرفق الحساس من دائرة الفوضى والتهميش والإضعاف ومن دائرة الصراعات والحسابات المختلفة حفاظا على أحد أبرز ركائز الامن القومي في البلاد..
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك