محاولة في الدفع نحو سياسة الوضوح 

محاولة في الدفع نحو سياسة الوضوح 

تاريخ النشر : 21:49 - 2024/05/25

المعركة ستتواصل وربما بشكل أشد. وهي ليست مع أشخاص ولا أطراف بعينها وإنما ضد منظومة مركبة يجب أن تتفكك. وهي ليست معركة بالمعنى السياسوي السطحي وإنما أكبر من ذلك بكثير. وهي جهد وطني اصلاحي وتحريري أكثر من أي بعد آخر. يخلف ذلك العديد من المشاكل التي يسعى من لا تهمه الاصطفافات إلى تداركها وتوضيحها باجتهاد متواصل. ولقد تم بالفعل توضيح جانب منها بعد جهد جهيد وليس من عدم ومفاده ان القضية قضية لوبيات وامتدادات وتشويهات لا قضية سياسة ممنهجة ضد الحريات خاصة وان الأطر والسياقات التي يتمظهر فيها وضع هذه الحريات مثل الإعلام والقضاء والعلاقة مع الأمن وأساليب تطبيق القانون وآجال التقاضي والإجراءات والالتباسات والعلاقات الذاتية والسياسية والتقاطعات والمصالح والاحقاد وردّات الفعل التي تزيد الطين بلة مهما كانت دوافعها ونواياها وفيها الغث وفيها السمين وفيها الفعلي وفيها المفتعل وتناسب الظاهر والباطن والمنطوق نصا والضمني واقعا، وفي سياق الانتخابات والعدوان على غزة ومشاكل الاقتصاد والادارة والصراع مع الخارج... الخ، كلها فيها اختلالات واعتلالات كثيرة.
 صحيح ان المعادلة صعبة وصحيح ان عدة عوامل لا تبعث على خلق ميزان معتدل وصحيح ان التوضيحات غير كافية حتى الآن وصحيح ان المناخات مشحونة في مكان ما، وأهمها ما يرتبط بالجوانب المعيشية لا السياسية وبلا أي استهانة بالبعد الثاني.
المهم حسب تقديري ان الواقع الموضوعي الذي سيخيم على المدة المقبلة كفيل بمزيد توضيح الأمور لأن خيار التحفظ السياسي التام غير مفيد إلى حد كبير في الحالة التي تتعلق بتفاعلات الرأي العام المسيس ولا حتى غير المسيس ولأن الخيار الاتصالي المرتبط بذلك يحتاج مراجعة كبيرة.
وأخيرا، إن مطلب العدالة للجميع لا يقبل اغماض العين وترك الأمور على ما هي عليه فهو لا شك لا يمكن ألا يخلف بعض المظالم الأصلية أو العرضية فنحن لسنا في مدينة فاضلة وهكذا هي الأمور دوما احببنا ام كرهنا، والتي لا يمكن حسمها بل التسريع في حسمها دون خواتيم واضحة تمام الوضوح. وكذلك مطلب الحرية الحساس جدا لأنه لا يتعلق عند جمهور قلق على أوضاع بلاده بمجرد ما يجري وإنما بالمستقبل الذي يريد كل من له حق أن يكون مسموعا فيه ولتطلعاته ومطالبه مكان. وانه يريد ذلك في أسرع وقت يمكن أن يتحسسه وليس في المطلق البعيد أو المستحيل الذي يؤدي إلى اليأس
التدريجي. زد على ذلك ان بعض الجمهور سريع القلق في حالات كثيرة نتيجة أفكاره وتجربته سواء كانت واسعة أو ضيقة. ونتيجة الشعور الذي يدب في النفوس، إن كان شعورا بالغضب أو الارتياب أو التخوف والتوجس أو التسلط الذي يخلف انطباع الاذلال والفوقية والانغلاق وذلك يحصل أيضا ومرة أخرى أحببنا أم كرهنا مع كل الأسف حتى إذا كان اكراها واقعيا تجلى في الصيغة العامة التي عليها نظام الحكم وكلنا يدرك ان فيها ماهو اضطراري وفيها ماهو اختياري.
وأما في خصوص المرسوم 54 المثير للجدل، وإن كنا وضحنا موقفنا أكثر من مرة في منشورات سابقة دون تردد تحكمه الاصطفافات ودون تحفظ حيال الضدية الضيقة (من هم مع ومن هم ضد)، فإننا لمزيد الوضوح حتى لا نعود لهذا الموضوع مرة أخرى، نقول بل قلنا ما يلي:
نعتقد ان القضية قضية لوبيات وامتدادات وتشويهات وليست قضية حريات وإن كانت تتأثر في كل الحالات وإن كان الخطأ ممكنا وإن كان الجمهور لا يهتم إلا للأفضل بل المثالي خاصة وانه لا يخاطب بالطريقة التي تجعله يتفهم بدل من أن يحتقن، ولكن المشكل ليس هذا. المشكل هو ان هذه الأمور إما لا تظهر في الملفات فتظهر في أغلبها وليس كلها في تصريحات أو تدوينات لا تفيد الاشاعة أو التزوير... الخ. وإما انه يتم التسويق أو إعطاء الانطباع بما يفيد الحريات وليس ما يفيد ما سبق. وبالتالي فإما أن تكون الاحالات واضحة في الملآن مفيدة عادلة ساطعة متناسبة مع منطوق المرسوم وإما ان يوضحها المتحدثون بإسم المحاكم إذا كان فيها خفايا ولو تلميحا وفي عناوين وليس بالتفاصيل، دون أن تظهر للناس سفاسف يعتبرونها ظلما. وإن الأمور أحببنا أم كرهنا تقاس واقعيا بالظاهر والنتائج وهذا واقع البشر غالبا. وهنا كل السياسة التي لا بد من أن تعالج حتى تبقى الغايات خالصة ومهما تعثرت تثمر وتقنع وإن نسبيا وإن مع مرور الوقت.
هذا الرأي آخر همه الضديات وإن بقيت وحدي في الكون. واني اتبنى نهجا علميا من سنوات مفاده ان جوهر الديمقراطية المستقلة والوطنية والشعبية الحق في معرفة ما يجري أو حق البينة أكثر من مجرد التعبير وحق المعلومة والحق في الفهم والاشتراك في الوعي والتفكير أكثر من مجرد حرية الرأي وفرض الرأي ومجرد الاستماع الشكلي إلى الرأي وتوسيع الكفاءة الديمقراطية بقاعدية شعبية موسعة ما أمكن تؤدي إلى تحرر متقدم يؤدي إلى مستقبل ثوري متدرج ضامن للارتقاء الجماعي الوحدوي المطرد وليس فئوية أو فئويات أو نخبوية سلبية أو شعبوية سلبية أو قطاعية أو قطاعويات أو سياسوية أو سياسويات أو اصطفاف أو اصطفافات.
العدل والحق والازدهار والتحرر والحرية لوطننا وشعبنا في دولة مستقرة ومقتدرة وانسانية ممكن وسيتحقق بإذن الله تعالى مهما بلغت التضحيات ومهما طال الزمن.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

خلال عقود وسنوات سابقة كانت السياحة الداخليّة رهانا صعبا بالنسبة للكثير من التونسيين باستثناء ميس
07:00 - 2024/07/26
يعود مهرجان المناجم الصّيفي بمدينة المتلوي بعد احتجاب دام وقد زالت موانع هذا الاحتجاب التي تركزت
07:00 - 2024/07/26
«رعاية حياة الانسان وسعادته،وليس تدميرهما،يعتبر الهدف الأول والوحيد للحكومة الرشيدة « توماس جيفرس
07:00 - 2024/07/23
أجيال تونسية أصيلة تداولت عبر السنين الصعبة مشعل الكفاح على درب التضحية اللامحدودة من أجل نظام ال
07:00 - 2024/07/23
بقلم: سامي بلحاج (كاتب صحفي)
07:00 - 2024/07/22
تنعقد يوم 31 جويلية 2024  الندوة السنوية لرؤساء البعثات الديبلوماسية والقنصلية  تحت سامي إشراف سي
07:00 - 2024/07/22