كن طالب حق، كن خادما للعدالة فالشعب مشتركنا كلنا وليس شعبا لأحد

كن طالب حق، كن خادما للعدالة فالشعب مشتركنا كلنا وليس شعبا لأحد

تاريخ النشر : 23:47 - 2021/08/21

الشعب الذي يزدريه البعض مفهوم وانتماء وقضية وفاعل اجتماعي وسياسي محدد في وجود كل دولة وكل سلطة سلبا وإيجابا. 
يعطي أنبياء الديمقراطية التابعة من مجاميع الشعبوية النخبوية المزعومة لأنفسهم الحق في احترام أي شعب في العالم وفق هواهم، إلا شعبهم. وفي احترام أي قائد أو رئيس أو غير ذلك وفق مزاجهم ولا يعطون الحق لشعبهم. ويوجدون لأنفسهم مبررا في كل مرة لتبرير خيبتهم وانفصامهم وعدميتهم العامية السوداء. فمرة يقولون انه شعب بورقيبة ومرة شعب بن علي وأخرى شعب الغنوشي والسبسي والقروي... وإلخ. وأخيرا شعب الرئيس قيس سعيد. وفي كل مرة يسمونه شعبا لا يعجبهم ولا ينقصهم غير توصيفه بالمجرم المتقلب، بينما الشعب بالمفهوم السياسي السليم هو مجموعة من البشر تتحد غالبيتها وحدة مصيرية في لحظة تاريخية ما من أجل أسباب ما ولأجل أهداف ما وفي سياقات ما وليس للشعب أي معنى انتخابي وإن كان يتمظهر في الانتخابات أو في الثقافة أو في الرياضة أو في الحرب. غير ان هذه التمظهرات لا تجيز إدانته حتى وإن كان ذلك من جملة إدانات أغلب سكان العالم وأغلب حكام العالم في نظر بعضهم. هذا الاستخدام الأعمى والرخيص غير سياسي وغير أخلاقي وحتى الأنبياء لا يقدمون عليه. فهل لا يصيب إلا من يتبعكم أنتم مثلا، ومتى استعبدتم الناس؟! ثم لماذا اخترتم هذا المفهوم العبودي الحقير للشعب وهل بذلك يصبح شعبا جيدا؟ وهل يجوز لكم فعلا ادعاء انه شعب فلان أو شعب علان؟ 
لا نتحدث طبعا عن كل الشعب بالمعنى الحسابي الذي يغطي كل سكان تونس وإنما نتحدث عن تأييد شعبي غالبي لقرار سياسي اتخذه رئيس الجمهورية يغطي الذين انتخبوه سابقا ولهم مبرراتهم ويتوسع الآن أكثر ولهؤلاء أسبابهم التي لا تصبح خاطئة إذا لم يحقق ما يريدونه ولا تبقى صالحة لكل زمان حتى إذا حقق شيئا قليلا أو كبيرا مما يجب، وهذا كل ما في الأمر. تتغير الأزمنة والتطلعات والخطأ والصواب والأحكام وتتغير الديناميات والتأثيرات وثقافة الشعب وتفعل فعلها أفعال كل مسؤول ويتغير الناس مع الزمن والرأي، فكيف تجحدون على الناس رغبتهم العارمة في التخلص ممن دمر حياتهم ولو لمدة من الزمان دون أن تكونوا قد أنجزتم في أي يوم من الأيام حلا عمليا لهؤلاء الناس، إلا إذا كنتم أنبياء دجل ترون المستقبل وتريدون من الناس أن يتغيروا الآن وفورا قبل أن يأخذ أي شيء مجراه ومداه؟! 

إن الأهم عندنا تقدم تونس لمصلحة شعبها، ولكل حق المشاركة بما يراه الأفضل. أما عن حق التفكير وهو حق مقدس فيمكن أن نطلق له العنان كما نشاء ولكنه قد لا يفيد الجميع في اللحظة الحالية. فمثلا عندما تحدثنا عن ديمقراطية ديكولونيالية معمقة أو نازعة للاستعمار في شهر جانفي من سنة 2016 في نص منشور على موقع الحوار المتمدن، قلنا ان ذلك لا يمكن أن يمارس إلا في نطاق جمهورية ثالثة. ولذا فالوقت مبكر جدا الآن، ليس من ناحية طرح هذه الأفكار تفصيليا ولكن من ناحية الاستماع العام إليها قبل أشهر أخرى على أقل تقدير لأننا حيال مهام عملية أكثر واقعية في هذا التوقيت الدقيق. 
في شهر ماي أيضا من سنة 2006 وقبل 10 سنوات من 2016 وفي مقال بعنوان "نحو جمهورية الجماهير"، كنا نقول ان الشعب هو النوع الاجتماعي الوحيد الذي بوسعه أن يحكم نفسه بنفسه بوصفه ما بعد ديمقراطي أي مشرعا عاما من أجل حقه الشامل بما يجعل هذه الجمهورية المنشودة جمهورية حق تحكم بالحق لا غير. 
وعلاوة على ذلك لا يمكن لجمهورية الحق هذه أن تكون دون قطع جذري مع كل أنواع الفساد الديمقراطي والبيروقراطي والتكنوقراطي والاكسبارتوقراطي سواء أكانت تمثيلا أو مشاركة أو مباشرة أو جريمة منظمة أو سيادة على الجريمة. 
واما الجمهور فانه يحتاج إلى أن يكون مشرع حق وعدل، سيد حق أو حاكم حق على أن تكون سلطته مؤقتة وانتقالية لا مجال فيها للخلط بين حقوق أصحاب الحقوق الفعليين وسلطة المحامي مثلا أو القاضي وباقي ممثلي سلط التشريع والقضاء والتنفيذ. لأن المهم ليس الفصل الإجرائي في حد ذاته وانما أن تنبع سلطة كل جهاز من الجمهور وعلى الدوام على اعتبار ان هذا الفصل لم يتجاوز أفق الليبرالية والتيولوجيا السياسية التي لم تأت وبصفة متناقضة تماما، إلا بفصل رأس الدولة عن جسدها. والآن وبعد 15 سنة، ومهما يكن من تفريق فكري وسياسي بين الشعب والجماهير وبين تلك الفلسفة وتلك وبين ذاك الواقع وواقعنا هذا، فإن النتيجة الحاصلة أيامنا هذه ان جزءا هاما من شعبنا يعطي الحق لنفسه ومن وعيه في أن يدفع نحو قرارات ما مهما كان تقييمنا العلمي والسياسي لذلك، وهذا في حد ذاته حقه المطلق غير القابل للتنازع والانكار، فالمهم في النهاية تجسيد ذلك بشكل تدريجي ومنظم وعقلاني وسلس ومسؤول دون مظالم ودون قفز على الواقع ولا مفر من ذلك حتى إذا أنكرنا الفكرة بقديمها وجديدها.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

إن آخر ما يتبادر إلى الذهن تحليل ما يجري في الجامعات الأمريكية.
21:21 - 2024/04/27
قياسنا هنا 7 أكتوبر وطوفان الأقصى واليوم الماءتان.
23:48 - 2024/04/23
تعقيبا وتعليقا على الهجوم الإيراني المتوقع على إسرائيل كردة فعل على الهجوم الصهيوني الذي أودى باس
07:00 - 2024/04/22
تزامن عيد الفطر هذه السنة في غزة مع دخول طوفان الأقصى شهره السابع وما خلّفه العدوان الصهيوني من د
07:00 - 2024/04/22
تصاعدت منذ انطلاق طوفان الأقصى وتيرة مواجهة الكيان الصهيوني من خارج فلسطين وأصبحت ظاهرة بارزة بصد
07:00 - 2024/04/21
لم يكن قصف القنصلية الايرانية في دمشق عملا عبثيا وانما عملا مخطط له هدفه خلط الاوراق اقليميا ودول
07:00 - 2024/04/21
-إذا كان الوعي من أعمال العقل،وإذا كان العقل يغلب عليه التشاؤم أحيانا،وهو يحلّل ويستقرئ ببرود وحي
09:16 - 2024/04/15