رواية "طيش الاحتمالات" لزهرة الظّاهري 1\3: الكتابة مرآة للتحوّل الاجتماعي

رواية "طيش الاحتمالات" لزهرة الظّاهري 1\3: الكتابة مرآة للتحوّل الاجتماعي

تاريخ النشر : 09:59 - 2021/05/22

عن منشورات زخارف صدرت للكاتبة زهرة الظّاهري رواية ثانيةً جاءت حاملة لعنوان «طيش الاحتمالات» وامتدّت أحداثها على مدى ثماني عشرة ومائة صفحة من الحجم المتوسّط لتُثبّت من خلال ذلك مكانة أعمالها السّردية والّتي استطاعت من خلالها كسب جمهور واسع من القرّاء بدأت رقعته تتوسّع مع تراكم ومنشوراتها. 
 فقد أصدرت الكاتبة رواية أولى عن دار القلم للنّشر والتّوزيع حملت عنوان «المنعطف» ثمّ ثانية «طيش الاحتمالات» وهي موضوع قراءتنا اليوم. كما أصدرت قبل ذلك مجموعة شعرية حملت عنوان «صفو الكلام» و قصّة موجّهة للأطفال حملت عنوان«ابنة الشّهيد». 
وهي تجربة مهمّة جدًّا لأنّ أحداثها روت لنا تفاعلات الكاتبة و المربّية زهرة الظّاهري مع أحاسيس تلميذتها يوم فقدها لأبيها الأمني في عمليةإرهابية و لذلك السّبب وقع تحويل أحداثها إلى شريط سينمائي حمل عنوان «آية»   و نالت به المدرسة جائزة في مسابقة السّينما و الصّورة الّتي تقع بمشاركة عدد كبير من المدارس الابتدائية. وأعلم أنّه بعد هذا الاهتمام وقع بعث مدرسة ابتدائية حملت اسم الشّهيد تخليدًا لاسمه.
و أرى أنّ كلّ هذه الأفعال تُعطي للمُنجز القصصي قيمة مُضافة و تُعبّر أيضًا عن مدى ارتباط الكاتبة بواقعها المُعاش بجميع تفاصيلها الحدثيّة و الحسّيّة. مُشيرًا في نفس السّياق إلى أنّ الكاتبة أصدرت مجموعة قصصيّة عن منشورات زخارف وحملت عنوان «مواعيد آثمة». 
وأرى أنّ تواتر إصداراتها في هذه السّنوات الأخيرة، يُعطي الدّليل القاطع على هوس الكاتبة بالمُنجز الأدبي، ودوره في رتق الشّروخ الّتي تحدثها الحياة.  بعد أن تملّك الإحباط أغلب الكتبة المحسوبين على الأدباء، بينما ازداد إصرار المسكونين بحرقة الإبداع.
وارى ايضا أنّ كلّ مطالع لمدوّنة زهرة الظّاهري سيتأكّد و دون جهد كبير، من إيمان الكاتبة بالوقع المؤثّر للإبداع الأدبي في تغيير واقعنا المعاش. والأمر هنا لا يحتاج إلّا إلى الاطّلاع على كامل مدوّنتها، والّتي تُؤكّد لنا التصاق مناخات نصوصها بما يحياه الإنسان في تلك الرّبوع الجميلة من أرض الوطن. 
كما أشير إلى تمكّنها من نحت اسمها الأدبي دون الاضطرار إلى الإقامة في العاصمة، مثلما جرت العادة. بل أشعر أنّ هذه المثابرة في النّشر وتواتر إصداراتها هو ما يدفع القرّاء إلى انتظار جديد زهرة الظّاهري بكلّ شغف ولهفة، بعد إصدارها لأكثر من كتاب. هذا طبعًا إلى جانب تميّز نصوصها بصياغة شاعرية تشدّ انتباه القارئ، وتُساهم كذلك في تأكيد مكانة الكتابة الأدبية لديها، إضافة إلى ما تُوفّره صياغتها للأحداث من فتح مجالات رحبة للتّأويل. 
  وحتّى لا أقع في فخّ العموميات سأحاول قدر المُستطاع التّوقّف عند أهمّ مميّزات الكتابة الأدبية لدى زهرة الظّاهري انطلاقًا من العتبات ووصولًا إلى بعض النّماذج المُختارة من هذا المُنجز الأدبي دون أن يعني ذلك أنّها ستكون زاوية القراءة الوحيدة لهذه الرّواية الّتي سأحاول قدر المُستطاع فكّ القليل من طلاسمها المُغلقة أو المُبطّنة في الأحداث آملًا من خلال كلّ ذلك التّوصّل إلى الفهم الأفضل والأسلم لمقاصد الأحداث حسب وجهة نظري، وطبيعة قراءتي لهذا العمل الابداعي. 
 ونظرًا إلى ما تُعطيه البدايات من قيمة مضافة سأنطلق في مُحاكاتي لهذه الرّواية من الغلاف الخارجي لها والّذي حمل لنا صورة للنّصف الأيمن لوجه الكاتبة وعينها تُجاهد قصد تأمّل التّفاصيل الممكنة مع الإصرار على غلق الفم بأنفة. حيث يبرز الأنف سامقًا رغم خصلات الشّعر المتناثرة على سحنة الوجه فهل هو الصّمود، أم التّحدّي؟ 
   طبعًا أريد أن أوضّح بأنّ هذه القراءة لصورة الغلاف الخارجي للرّواية ما هي في نهاية الأمر إلّا تمتمات للبعض من الخيالات الّتي سبحت بأفكاري وأنا أتأمّل واجهة الكتاب والّتي طغى على ثلثيها البياض في إشارة إلى الصّفاء والمُعبّر  عن قيمة لأنّه ليس لونًا. 
 ففي البياض المُقابل لأعلى الرّأس نُقش اسم الكاتبة «زهرة الظّاهري» كما وُضعت عبارة «رواية» بالأسود في البياض المُقابل لتأمّلات العين اليُمنى من الوجه. إضافةً إلى وضع اسم دار النّشر بالأسود في أسفل بياض الغلاف. مع التّذكير بأنّ الأبيض والأسود ما هما في نهاية الأمر إلّا قيمتان متضادّتان. أو هكذا فهمت هذه الاختيارات الفنّيّة. أمّا عنوان الرّواية «طيش الاحتمالات» فقد طُبع انطلاقًا من جبهة الوجه أو تحديدًا من أعلى حاجب العين بالأحمر القاني، وهي اختيارات لا أرى أبدًا أنّها كانت اعتباطية أو مجانية كما أشعر أنّها كانت دقيقة المعاني والأهداف. 
و بعيدًا عن تفسير كلّ هذه الاختيارات من خلال الاعتماد على وظائف الفنّ التّشكيلي أرى أنّ الغلاف كان قادرًا على جلب انتباه القارئ و إغرائه بمطالعة أحداث الرّواية بحثًا عن التّأويل الصّائب و التّفسير الأنسب لما تضمّنه الغلاف من إيحاءات و استفزازات أحيانًا، و بسبب ذلك وجدتني أقلب الكتاب للاطّلاع على فحوى الفقرة الّتي اختارت الكاتبة أو النّاشر وضعها كطعم لإغراء القارئ بمُتابعة الأحداث. 
وحتّى يُشاركني القارئ مُتعة تلمّس لذّة البدايات سأنقل له جُمل هذه الفقرة المُنتقاة:
 ( «أنت خائن.»
ظلّ صدى هذه العبارة يتردّد داخله وهو لا يكاد يتحرّك من مكانه.
لم يكن الشّارع مقفرًا تمامًا و لا المكان مظلمًا بما يكفي… الفانوس الوحيد الّذي يضيء الشّطر الأكبر من الشّارع لم يرق لوحدته… وصخب الشّبّان الثّلاثة الّذين كانوا يكيلون أحيانًا السّباب و الشّتائم لبعضهم و أحيانًا أخرى لهذا الوطن الّذي تآكلت صورته في قلوبهم حتّى أصبحت شبيهة بجثّة متعفّنة تُثير اشمئزازهم حدّ التّقيّؤ استرعى انتباهه إلى حين…). 
ونلاحظ من خلال ما تقدّم التّلميح إلى موضوع الخيانة، مع التّعريج على توجيه السّباب والشّتائم للوطن. فهل نحن مُقبلون على مطالعةرواية ستروي لنا أحداثها تفاصيل خيانة وطن؟ أم إنّنا سنكتشف ملامح وطننا المنشود، الّذي نحلم ببنائه.  وأرى أنّ الجواب على هذا السّؤال لا يُمكن أن يحصل إلّا بعد مُتابعة الأحداث بانتباه شديد، خصوصًا بعد اكتشافنا أنّ هذه الفقرة الّتي وُشّح بها الغلاف الأخير للرّواية ما هي في النّهاية إلّا فاتحة أحداثها. فهل يعني كلّ هذا أنّ ما وُضع في الغلاف الأخير ما هو في نهاية الأمر إلّا صياغة لبدايات جديدة محتملة؟ 
 وحتّى تتوضّح الصّورة أكثر في ذهن القارئ ونُعطي لهذه الأسئلة الكثير من المصداقية، أرى أنّه من المفيد التّوقّف عند الفقرة الأخيرة في الأحداث داعيًا الجميع إلى البحث عن مشروعية للأسئلة المتاحة بعيدًا عن التّعسّف الدّلالي حتّى وإن كانت مُقنعة. 
      تقول الفقرة الأخيرة في الرّواية:
 (عادت إلى بيتها متوتّرة. دخلت غرفتها…رمت بحقيبتها على الفراش. أمسكت كتابها الجديد وتفحّصته مليًّا. تساءلت: أيُمكن أن يشتبه الخيال بالواقع حدّ التّماهي؟ 
وشرعت تقهقه بصوت عال… كانت قهقهاتها تتطاير فراشات تنشر أقواس قزح، تغزو المكان من حولها وتُلوّن السّماء… 
اقتحم ابنها عليها قهقهاتها قائلًا: 
- ماما هناك سيّدة بالباب تبحث عنك تقول إنّ اسمها علياء.) (ص: 118)
 ويُلاحظ معي القارئ أنّ هذه الفقرة جاءت أحداثها لتدفعنا قسرًا إلى إعادة صياغة أحداث الرّواية انطلاقًا من هذا الخبر الجديد والّذي يدعو إلى مزيد التّثبّت من نسبة الرّاوي. بل دعني أقول هل هي روايتنا أم رواية وطن؟ 
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

ألقت الشرطة الكويتية الخميس 2 ماي 2024 القبض على المذيعة ومقدمة البرامج المشهورة حليمة بولند لتنف
22:11 - 2024/05/02
أعلن مدير المعهد الوطني للتراث طارق البكوش أن مشروع تهيئة المتحف الوطني بقرطاج مموّل من اللجنة ال
17:03 - 2024/05/02
أسدل الستار الليلة الماضية على فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن التي انتظمت من 27 أفر
15:45 - 2024/05/02
توفي صباح اليوم الخميس2 ماي 2024  بمدينة اكودة الممثل القدير والمناضل عبد الله الشاهد عن سن تناهز
11:26 - 2024/05/02
من المجهودات الكبيرة اللافتة في الإعلام العمومي لفت انتباهي المجهود الكبير الذي يقوم به الإعلامي
09:07 - 2024/05/02
لا شكّ بأنّ غياب مشروع ثقافيّ وطنيّ يعمل وفقا لاستراتيجيّات محدّدة في كلّ القطاعات الثّقافيّة له
08:29 - 2024/05/02