زراعة الكولزا تكرس التبعية الاقتصادية للخارج

زراعة الكولزا تكرس التبعية الاقتصادية للخارج

تاريخ النشر : 10:13 - 2024/03/18


تتداول عدة مصادر معطيات حول أهمية زراعات بديلة في تونس "دعما" للأمن الغذائي على غرار زراعة "السلجم" أو الكولزا في سياق محاولة تحسين مستوى مداخيل الفلاحين ودفع التصنيع المحلي للزيوت النباتية. غير ان المسألة تبقى محل جدل سيما بخصوص مخاطر إدخال بذور محورة جينيا للبلاد، من جهة، واستغلال مساحات من الأراضي الفلاحية لزراعات صناعية الطابع على حساب زراعة الحبوب ودعم استغلال البذور المحلية واستهلاك المنتوجات المتأصلة في تونس كزيت الزيتون، من جهة أخرى.
وكان أحد الهياكل التقنية الاجنبية المتخصصة في زراعة الكولزا والاتحاد الأوروبي قد أعلنا بداية سبتمبر 2019، عن الشروع في تنفيذ برنامج لدعم زراعة حوالي 50 ألف هكتار من هذا المنتج في تونس عبر توريد البذور من أوروبا وذلك بحجة الزيادة في الإنتاج المحلي من هذا المنتج بما يقلص من واردات البذور الزيتية.
الكولزا هو نبات زيتي بروتيني، يستخرج من بذوره زيت نباتي يستخدم للتغذية البشرية وإنتاج الوقود الحيوي، في حين تستخدم مخلفات العصر الغنية بالبروتينات كعلف للحيوانات.
في عام 2014، عملت السلط التونسية بالشراكة مع مجموعة صناعية اجنبية لديها خبرة طويلة في زراعة الكولزا على إطلاق زراعة المنتج في البلاد، بتمويل أوروبي وذلك الى جانب المغرب.
ورغم التصريحات الرسمية المتفائلة، إلّا أنّ الأرقام تعبّر عن تفاوت شاسع بين حجم الإنتاج وحجم الاستهلاك، إذ لا يغطّي الإنتاج المحلي سوى 2.3 بالمائة من حجم الاستهلاك السنوي، حيث بلغ استهلاك زيوت البذور والكسب (درنات مشتقة من الكولزا موجهة للعلف) على التوالي 281 ألف و470 ألف طن عامي 2020 و2021، وقع استيراد أزيد من 97 بالمائة منها. لتضاف إلى بقية السلع التي تدخل البلاد باسم الأمن الغذائي لتُفاقِم العجز التجاري والمديونية بالعملة الاجنبية.
ومن المؤكد أنّ معادلات الميزان التجاري لا تصمد أمام تعمّد الاتحاد الأوروبي عدم زراعة النباتات المحورّة جينيا على أراضيه، كما جاء في تقرير المفوضية الأوروبية، وتعويله على الأراضي التونسية لزراعتها عبر القروض.


تتمثل نتائج تشجيع هاته الزراعة بالأساس في تكاثر البذور المستخدمة محورة وراثيا أو هجينة في أحسن الاحتمالات، وهو ما يتطلب استيرادها سنة بعد أخرى الى جانب المواد الكيميائية التي ترافقها مع كل ما ينجر عن ذلك من منتوجات ملوثة من زيت موجه للاستهلاك البشري وعلف حيواني، يتم ترويجها في السوق المحلية ودعمها بموارد صندوق الدعم.
على صعيد اخر، تعد زراعة الكولزا من الزراعات التي تتطلب 600 مليمتر في الهكتار وهي تنتشر الآن سريعا في المناطق المنتجة للحبوب والمحاصيل الاستراتيجية الأخرى كالبقوليات والأعلاف في ولايات الشمال ذات الإمكانيات الزراعية العالية، اذ تضم الولايات التسع في شمال البلاد مجتمعة ما بين 71 بالمائة و83 بالمائة من إجمالي المساحات المزروعة بالحبوب في البلاد. والحصيلة تقليص المساحة المخصصة للحبوب، وهو ما يؤدي الى ارتفاع حجم الواردات من الحبوب وازدياد التبعية الغذائية.
في جانب اخر، تدخل هذه الزراعة في منافسة مباشرة مع البقوليات مثل الفول والفول المصري والحمص والسلة والحلبة ذات الفوائد المتعددة، فهي تحتوي على البروتينات الضرورية لتغذية الإنسان والحيوان علاوة على أنها مخصبة للتربة حيث يتم اقحام الكولزا في التناوب الثلاثي عوضا عن البقوليات. وفي أفق التغيرات المناخية القادمة وضرورة الاستعداد لها، تطرح هذه الوضعية تساؤلات حول مدى اهمية هاته الزراعات التجارية الثانوية وطريقة الاستعداد لها، علاوة على المشاكل البيئية والصحية المرتبطة بكثرة المدخلات الكيميائية التي تتطلبها، فهي نبات هش يتطلب مدخلات كيميائية عدة لمقاومة الأعشاب بشكل متكرر والتصدي للأمراض والآفات.
كما أن هذا النبات – على عكس البقوليات التي تغذي نفسها بنفسها – يتطلب امدادا جيدا بالأسمدة الازوتية، ومن البديهي أن الاستعمال المكثف للمدخلات الكيميائية يؤدي الى تدهور وموت التربة وتلوث المائدة المائية والإضرار بالتنوع البيئي.
يبدو أن الاتحاد الأوروبي الذي يعمل جاهدا منذ سنوات للدخول لسوق المنتجات والخدمات الفلاحية والغذائية في تونس من خلال اتفاقية التبادل الشامل والحر "اليكا" تحت شعارات براقة ومخادعة من نوع "التعاون " و"الشراكة " و"التبادل الحر" قد حقق نفاذا عن طريق زراعة الكولزا التي ستؤدي الى إنهيار وتفكيك منظومة إنتاج الحبوب والبقول المحلية وانهاك السيادة الغذائية التي تحرص السلط على دعمها.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

تغطي الموجودات الصافية من العملة الأجنبية 98 يوم توريد بتاريخ أمس الجمعة حيث بلغت 22669 مليون دين
19:35 - 2025/05/31
تشارك حوالي 20 مؤسسة تونسية متخصصة في الطاقات المتجددة وصناعة الغذاء والتكنولوجيا في بعثة اقتصادي
15:49 - 2025/05/31
سجلت تونس عجزا طاقيا ناهزت قيمته، 10،8 مليار دينار، خلال سنة 2024، نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتوري
14:19 - 2025/05/31
قرر مجلس ادارة البنك المركزي التونسي، في اجتماعه المنعقد الجمعة، الابقاء على نسبة الفائدة المديري
20:40 - 2025/05/30
أعلنت وزارات المالية وأملاك الدولة والشؤون العقارية والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، في م
16:28 - 2025/05/30
سجّلت مبيعات تونس نحو البرازيل ارتفاعا لتقدّر قيمتها، ب137 مليون دينار سنة 2024 (ما يعادل 71 مليو
15:44 - 2025/05/30
في إطار سياستها المستمرة لتحسين خدماتها وتنويع عروضها التجارية، تعلن الخطوط التونسية عن إطلاق عرض
15:36 - 2025/05/30
ظل الدفع نقدا الوسيلة المفضلة لدى التونسيين، منذ دخول القانون الجديد للشيكات حيز النفاذ، بنسبة 47
14:51 - 2025/05/29