كيف دخل ومن وراءه؟
رأس المال الأجنبي يبتلع الجامعات الخاصة التونسية
تاريخ النشر : 11:03 - 2024/05/28
يؤكد الإجتياح الأجنبي المكثف للتعليم العالي في تونس مدى العبث الحاصل بدولة الثوابت تحت حكم تحالف الإخوان والمافيا.
لقد رفضت الحكومة التونسية عام 2010 طلبا رسميا أمريكيا ورد عن طريق سفارتها بتونس بشأن الترخيص استثنائيا لمجموعة أمريكية في تدريس الاختصاصات شبه الطبية في تونس.
وبالنتيجة يندفع السؤال بشأن ماذا تغير في تونس والعالم حتى ينقلب هذا الرفض المبدئي لفتح قطاع الخدمات أمام الاستثمار الأجنبي إلى اجتياح مكثف لمنظومة التعليم العالي خارج الأطر الرسمية.
ومأتى السؤال أن المفاوضات التجارية متعددة الأطراف صلب المنظمة العالمية للتجارة لم تحسم إلى حدّ الآن في ملف تحرير الخدمات كما لم يطرأ أي جديد في نطاق العلاقات الثنائية بين تونس والاتحاد الأوروبي بخصوص التبادل الحر الشامل المعروف بـ «الأليكا».
وعلى هذا الأساس نشأت عبر الأساليب الملتوية التي قام عليها الاستثمار الأجنبي في قطاع التعليم العالي فوارق شاسعة بين الواقع من جهة وفحوى النصوص القانونية بما في ذلك المعاهدات الدولية من جهة ثانية.
بل إن الإشكالية المركزية المطروحة هي كيف تتغلب إرادة شخص على إرادة الحكومة ومن ورائها مصالح الشعب إذ يكفي أن يقرر رجل أعمال لا يعير اهتماما لمصالح وطنه أن يبيع شركته حتى تنفتح الأبواب على مصراعيها أمام الاستثمار الأجنبي للإلتفاف على القانون.
هذه هي خلاصة المفارقة الغربية الحاصلة في قطاع التعليم العالي الخاص حيث قامت مجموعة أجنبية تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها بأكل هذا القطاع جزءا بعد آخر عبر شراء الجامعات الخاصة أو أسهما فيها بشكل مباشر من مالكيها لتتمكن في ظرف وجيز منذ عام 2017 من الاستحواذ على قرابة 60 بالمائة من هذا القطاع أي قرابة 17 ألف من إجمالي 30 ألف طالب يدرسون في التعليم العالي الخاص.
كما وأن نشاطات بعض المؤسسات غير واضح ماإذا كان تابعا للتعليم العالي أو التكوين المهني وهو جزء من الغموض الذي يخيم على الإستثمار الأجنبي في هذا القطاع.
واللافت أيضا هو التوسع الجغرافي المتسارع لهذا الاستثمار الأجنبي الفوضوي على كامل الشريط الساحلي التونسي حيث قامت بشراء جامعات خاصة في كل من سوسة وصفاقس والمنستير إلى جانب مركز الثقل تونس العاصمة وهو ما يرجح أن هذا المنحى سيصل قريبا إلى قابس وجربة وربما ينتقل بعدها إلى ليبيا.
يحصل كل هذا وسط صمت غريب لكل أجهزة الدولة وأساسا وزارات التعليم العالي والمالي والتجارة والصحة وهيئة التحاليل المالية وكأن الدولة مقاطعات مستقلة بذاتها غير ملزمة بحماية الثوابت الوطنية التي تكرسها القوانين والمعاهدات الدولية.
إن أي استثناء يتعلق بالاستثمار الأجنبي في قطاع الخدمات موكول حصريا للحكومة كمؤسسة وليس لوزارة معينة أو هيكل عمومي بشكل منفرد كما يخضع في تونس وسائر دول العالم لثوابت معروفة تربط هذا الامتياز بالمنافع الاستثنائية المنتظرة منه بناء على أرقام الاستثمار والتبادل التجاري ومساهمة الطرف المقابل في تمويل التنمية عن طريق الهبات والقروض الميسرة.
والواضح أن كل هذه الثوابت لم توضع يوما ما على الطاولة ولم يتساءل ولو مسؤول واحد ماهي التكنولوجيا العظيمة التي جلبتها هذه المجموعة الأجنبية وغيرها من الأجانب الذين يرتعون دون حسيب أو رقيب في ميدان الخدمات بامتصاص دماء الشعب التونسي عبر افتكاك أنشطة مغلقة أمام الاستثمار الأجنبي وتحقيق عائدات مالية ضخمة وتحويلها إلى الخارج.
وبالمحصلة يمثل الإجتياح الأجنبي المكثف للتعليم العالي الخاص في تونس نموذجا حيا على الخدمات السخية التي قدمها تحالف الإخوان والمافيا للحركة الصهيونية على الشاكلة المغربية حيث أن التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة الذين انتهجه الإخوان مهد لحكومة يوسف الشاهد بيع كل شيء للصهاينة عبر منصاتهم المعروفة ومنها بريطانيا وذلك باعتماد نظام المساهمات الذي استخدمته الحركة الصهيونية للهيمنة على القرار الأمريكي والأوروبي من خلال أخطبوط المساهمات الذي يتفرع عن أربع شركات قابضة يهودية تتحكم في الاقتصاد الأمريكي.
لكن الأهم في هذه المفارقة هو الثغرات التي صنعتها استقالة الحكومة التي أصبحت مجرد آمر صرف تتوقف صلاحياتها عند صرف الأجور لأعوان لا تتحكم فيهم فلو كان في تونس تعليم عمومي مرموق قائم على الأبعاد الوطنية لما نشأت فوارق شاسعة بين احتياجات الشباب وما تقدمه منظومة التعليم بكل مراحلها ولما أصبح هذا الميدان ذي الحساسية البالغة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي مجالا للإتجار بالبشر.
لقد وصلنا نتيجة تراكمات ثلاثة عقود من الزمن إلى المرحلة التي اضمحلت فيها خطوط التماس بين العام والخاص في قطاع التعليم الذي كان من الأسلم والأجدر أن يطور مضامينه بشكل يجعل مؤسسات التعليم العمومية بما في ذلك التكوين المهني قادرة على إعطاء الأجيال الجديدة السلاح الذي يكفل لها النجاح في الحياة العامة وهو ما يتعارض شكلا ومضمونا مع الهيكلة المتحجرة لمنظومة التعليم في تونس لاسيما من خلال العزلة القائمة بين سائر فروعها وسياسة تأبيد الدراسة المنتهجة منذ 30 عاما على الأقل إلى جانب تخمة الإختصاصات الخارجة عن التاريخ التي لا تزال تفرض على الطلبة في الجامعات العمومية رغم أنها تمثل طريقا مفتوحا نحو اليأس وطريقا مسدودا أمام الأمل.
إن الإختراق الأجنبي المكثف لمنظومة التعليم في تونس هو خطر جسيم من زاوية الأمن القومي فماذا سيبقى من علاقة الدولة بالمواطن إذا كان الأجانب ينحتون مسار حياة أبنائنا.

يؤكد الإجتياح الأجنبي المكثف للتعليم العالي في تونس مدى العبث الحاصل بدولة الثوابت تحت حكم تحالف الإخوان والمافيا.
لقد رفضت الحكومة التونسية عام 2010 طلبا رسميا أمريكيا ورد عن طريق سفارتها بتونس بشأن الترخيص استثنائيا لمجموعة أمريكية في تدريس الاختصاصات شبه الطبية في تونس.
وبالنتيجة يندفع السؤال بشأن ماذا تغير في تونس والعالم حتى ينقلب هذا الرفض المبدئي لفتح قطاع الخدمات أمام الاستثمار الأجنبي إلى اجتياح مكثف لمنظومة التعليم العالي خارج الأطر الرسمية.
ومأتى السؤال أن المفاوضات التجارية متعددة الأطراف صلب المنظمة العالمية للتجارة لم تحسم إلى حدّ الآن في ملف تحرير الخدمات كما لم يطرأ أي جديد في نطاق العلاقات الثنائية بين تونس والاتحاد الأوروبي بخصوص التبادل الحر الشامل المعروف بـ «الأليكا».
وعلى هذا الأساس نشأت عبر الأساليب الملتوية التي قام عليها الاستثمار الأجنبي في قطاع التعليم العالي فوارق شاسعة بين الواقع من جهة وفحوى النصوص القانونية بما في ذلك المعاهدات الدولية من جهة ثانية.
بل إن الإشكالية المركزية المطروحة هي كيف تتغلب إرادة شخص على إرادة الحكومة ومن ورائها مصالح الشعب إذ يكفي أن يقرر رجل أعمال لا يعير اهتماما لمصالح وطنه أن يبيع شركته حتى تنفتح الأبواب على مصراعيها أمام الاستثمار الأجنبي للإلتفاف على القانون.
هذه هي خلاصة المفارقة الغربية الحاصلة في قطاع التعليم العالي الخاص حيث قامت مجموعة أجنبية تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها بأكل هذا القطاع جزءا بعد آخر عبر شراء الجامعات الخاصة أو أسهما فيها بشكل مباشر من مالكيها لتتمكن في ظرف وجيز منذ عام 2017 من الاستحواذ على قرابة 60 بالمائة من هذا القطاع أي قرابة 17 ألف من إجمالي 30 ألف طالب يدرسون في التعليم العالي الخاص.
كما وأن نشاطات بعض المؤسسات غير واضح ماإذا كان تابعا للتعليم العالي أو التكوين المهني وهو جزء من الغموض الذي يخيم على الإستثمار الأجنبي في هذا القطاع.
واللافت أيضا هو التوسع الجغرافي المتسارع لهذا الاستثمار الأجنبي الفوضوي على كامل الشريط الساحلي التونسي حيث قامت بشراء جامعات خاصة في كل من سوسة وصفاقس والمنستير إلى جانب مركز الثقل تونس العاصمة وهو ما يرجح أن هذا المنحى سيصل قريبا إلى قابس وجربة وربما ينتقل بعدها إلى ليبيا.
يحصل كل هذا وسط صمت غريب لكل أجهزة الدولة وأساسا وزارات التعليم العالي والمالي والتجارة والصحة وهيئة التحاليل المالية وكأن الدولة مقاطعات مستقلة بذاتها غير ملزمة بحماية الثوابت الوطنية التي تكرسها القوانين والمعاهدات الدولية.
إن أي استثناء يتعلق بالاستثمار الأجنبي في قطاع الخدمات موكول حصريا للحكومة كمؤسسة وليس لوزارة معينة أو هيكل عمومي بشكل منفرد كما يخضع في تونس وسائر دول العالم لثوابت معروفة تربط هذا الامتياز بالمنافع الاستثنائية المنتظرة منه بناء على أرقام الاستثمار والتبادل التجاري ومساهمة الطرف المقابل في تمويل التنمية عن طريق الهبات والقروض الميسرة.
والواضح أن كل هذه الثوابت لم توضع يوما ما على الطاولة ولم يتساءل ولو مسؤول واحد ماهي التكنولوجيا العظيمة التي جلبتها هذه المجموعة الأجنبية وغيرها من الأجانب الذين يرتعون دون حسيب أو رقيب في ميدان الخدمات بامتصاص دماء الشعب التونسي عبر افتكاك أنشطة مغلقة أمام الاستثمار الأجنبي وتحقيق عائدات مالية ضخمة وتحويلها إلى الخارج.
وبالمحصلة يمثل الإجتياح الأجنبي المكثف للتعليم العالي الخاص في تونس نموذجا حيا على الخدمات السخية التي قدمها تحالف الإخوان والمافيا للحركة الصهيونية على الشاكلة المغربية حيث أن التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة الذين انتهجه الإخوان مهد لحكومة يوسف الشاهد بيع كل شيء للصهاينة عبر منصاتهم المعروفة ومنها بريطانيا وذلك باعتماد نظام المساهمات الذي استخدمته الحركة الصهيونية للهيمنة على القرار الأمريكي والأوروبي من خلال أخطبوط المساهمات الذي يتفرع عن أربع شركات قابضة يهودية تتحكم في الاقتصاد الأمريكي.
لكن الأهم في هذه المفارقة هو الثغرات التي صنعتها استقالة الحكومة التي أصبحت مجرد آمر صرف تتوقف صلاحياتها عند صرف الأجور لأعوان لا تتحكم فيهم فلو كان في تونس تعليم عمومي مرموق قائم على الأبعاد الوطنية لما نشأت فوارق شاسعة بين احتياجات الشباب وما تقدمه منظومة التعليم بكل مراحلها ولما أصبح هذا الميدان ذي الحساسية البالغة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي مجالا للإتجار بالبشر.
لقد وصلنا نتيجة تراكمات ثلاثة عقود من الزمن إلى المرحلة التي اضمحلت فيها خطوط التماس بين العام والخاص في قطاع التعليم الذي كان من الأسلم والأجدر أن يطور مضامينه بشكل يجعل مؤسسات التعليم العمومية بما في ذلك التكوين المهني قادرة على إعطاء الأجيال الجديدة السلاح الذي يكفل لها النجاح في الحياة العامة وهو ما يتعارض شكلا ومضمونا مع الهيكلة المتحجرة لمنظومة التعليم في تونس لاسيما من خلال العزلة القائمة بين سائر فروعها وسياسة تأبيد الدراسة المنتهجة منذ 30 عاما على الأقل إلى جانب تخمة الإختصاصات الخارجة عن التاريخ التي لا تزال تفرض على الطلبة في الجامعات العمومية رغم أنها تمثل طريقا مفتوحا نحو اليأس وطريقا مسدودا أمام الأمل.
إن الإختراق الأجنبي المكثف لمنظومة التعليم في تونس هو خطر جسيم من زاوية الأمن القومي فماذا سيبقى من علاقة الدولة بالمواطن إذا كان الأجانب ينحتون مسار حياة أبنائنا.