مع الشروق : صوت الحقّ في زمن القوة

مع الشروق : صوت الحقّ في زمن القوة

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/07/17

في خطوة ذات دلالة رمزية عميقة، أعلن الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس والمتحصل على جائزة نوبل للسلام سنة 2015، ترشيحه الرسمي لفرانشيسكا ألبانيزي المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لنيل جائزة نوبل للسلام لسنة 2025، في ترشيح يبدو في ظاهره تقديرا شخصيا لدور هذه السيدة، ولكنه في عمقه رسالة إلى العالم بأسره بأن الحق لايزال له من يدافع عنه، حتى في زمن أصبحت فيه المعايير مقلوبة والضحايا متهمين والجلادون محميون.
في السنوات الأخيرة، أعادت ألبانيزي الاعتبار إلى منصب المقرر الأممي في فلسطين بعد أن فقد في فترات سابقة جزءا من استقلاليته وهيبته، فرفعت صوتها عاليا لتُذكّر الجميع بأن القانون الدولي لا يطبّق انتقائيا وأن حقوق الإنسان لا تُقاس بميزان المصالح السياسية، ففي الوقت الذي صمت فيه الكثيرون في توصيف الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني أو اختفوا خلف عبارات فضفاضة ملتبسة، تكلمت ألبانيزي بوضوح وشجاعة وسمّت الأشياء بمسمياتها، ووصفت ما يحدث بالاحتلال الاستيطاني وسياسة الفصل العنصري والجرائم ضد الإنسانية.
فهذا الترشيح من الرباعي الراعي للحوار الوطني لها، جاء ليؤكد أن ما قامت به ألبانيزي لم يكن موقفا عابرا، بل مسارا متكاملا من الدفاع الصلب عن القانون الدولي وحقوق الإنسان في كلتيهما وشموليتهما، فقد رفضت المقررة الأممية الانخراط في لعبة التوازنات الكاذبة التي تحمي الجلاد وتدين الضحية، وبين المحتل والشعب الواقع تحت الاحتلال، فلم تؤثر فيها الضغوط المسلطة عليها ولا حملات التشويه الممنهجة التي تعرضت لها من اللوبيات الصهيونية بل استمرّت في أداء مهمتها بمنتهى الاستقلالية، معتبرة أن قيم العدالة والحق والكرامة الإنسانية أعلى من أي منصب واعتبارات سياسية.
ولئن كان ترشيح ألبانيزي يعترف بدورها النبيل في هذه القضية العادلة، فهو في الوقت ذاته دعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وأبرزها إقامة دولته المستقلة على أراضيه السليبة كاملة، ودعوة جديدة إلى رفع الظلم التاريخي الواقع عليه، كما أن منح جائزة نوبل للسلام لها سيكون رسالة قوية بأن العالم لم يفقد ضميره كله، وأن هناك من لا يزال يتمسك بمبادئ العدالة رغم طغيان الخطاب المنافق الذي يحاول تبرير الجرائم بحجة الدفاع عن النفس الزائفة.
فقد عملت ألبانيزي على إسقاط سياسة الإفلات من العقاب، ورفضت كل الدعوات الموهومة والكاذبة التي تُبقي الاحتلال وتكرّس الظلم، معتبرة أنه لا عدالة دون إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه كاملة، وما بين شجاعتها الشخصية ومسؤوليتها الأممية، لم تتردد في مواجهة القوى الكبرى حين تعارضت مصالحها مع القانون الدولي.
فهذا الترشيح للجائزة الدولية المرموقة، يعيد التذكير بأن الحق لا يموت ما دام هناك من يجرؤ على الدفاع عنه، وفي زمن طغيان القوة حيث تحاول قوى الاستعمار إعادة تعريف الجلاد والضحية، يعلو صوت فرانشيسكا ألبانيزي ليذكّرنا بالحقيقة الساطعة التي لا تسقط بالتقادم بأن العدالة لا تُجزّأ وأن الحرية والكرامة ليست منّة بل حقّ أصيل لكل شعوب الأرض وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الأبي.
هاشم بوعزيز
 

تعليقات الفيسبوك