" ذئب منفرد" لعلي العمري 1\3 في مديح المنسيين !

" ذئب منفرد" لعلي العمري 1\3 في مديح المنسيين !

تاريخ النشر : 12:41 - 2021/04/16

      أصدرت المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة مجموعة  قصصية حملت عنوان « ذئب منفرد » لعلي العمري و ذلك كمجموعة متوّجة  في إطار مسابقة (إصداري الأول من أجل مؤلّف جديد) الّتي نظّمتها المؤسّسة و توّجت فيها خمسة أعمال كاملة ( ثلاثة مجموعات قصصية و رواية و مجموعة شعرية). 
    و من باب التّنويه بالمبادرات القيّمة و الواعدة، أرى أنّ فكرة هذه المسابقة  ستعود بالنّفع على الجميع، بما أنّها تساهم بالنّشر في تقديم باكورات أعمال إبداعية قد لا تسمح الأوضاع العادية الّتي تعرفها الساحة الثقافية  في طبعها و وصولها إلى القارئ. و أرى في هذا المجال أنّه من المفيد للجميع انتظار تراكم عناوين التّتويجات اللّاحقة قصد التّوقّف عند  الإضافات النّوعية الّتي ستحدثها هذه الأعمال في المكتبة الأدبية بصفة عامّة. لذلك أشعر أنّه من واجب الجميع السّعي إلى تثبيت استمرارية هذه الجائزة، الّتي ستساهم حتمًا في إبراز نصوص إبداعية محترمة و مواهب أدبية مغمورة، ما كان لها أن تبرز لو لا وجود مثل هذه المسابقات.       و حول مجموعة « ذئب منفرد » الّتي حظيت بشرف مطالعتها، أشير إلى أنّ  صاحبها الأستاذ علي العمري هو كاتب مبدع عرفته السّاحة الثقافية منذ تسعينيات القرن الماضي، لكن أوضاعًا و موانع مختلفة حالت دون صدور كتابه الأوّل رغم تميّز كتابته القصصية. ولذلك تجدني أدعو المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة، و من ورائها وزارة الثقافة إلى  تثبيت ديمومة هذه المسابقة و التي ستعزز السّاحة الثّقافية بأعمال قيّمة، و أسماء سيكون لها شأن كبير في دنيا الأدب. و هو ما أتمنّاه للجميع.
   و علي العمري هو أستاذ مبرّز في اللّغة و الآداب العربية من كلية الآداب و  الفنون و الإنسانيات بمنوبة و حاصل على الدكتوراه في اللّغة و الآداب العربية من كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية بتونس و له عدّة إنتاجات  لم تعرف طريقها إلى النّشر. من ذلك مجموعة قصصية تحمل عنوان « مومياء » و مجموعة شعرية عنونها « هناك في المرآة » متمنيًا  توفّق الكاتب في عثوره على الصيغة الأنسب لنشرها و تمكين القراء من مطالعتها. 
       أعود إلى مجموعة « ذئب منفرد » لأشير إلى أنّ الكتاب جاء في سبع و ثلاثين  و مائة صفحة من الحجم المتوسط و ضمّت داخلها اثنى عشرة قصّة قصيرة تراوح طولها بين الستّ صفحات  « المرأة التي تنام في فراشي » و الخمسة عشر صفحة « ذئب منفرد » و هي  الأطول من حيث عدد الصفحات كما أنّه وقع التقاط عنوانها ليكون عنوانًا لكامل قصص  المجموعة و هو الأمر الذي يمنحها قيمة مضافة عن بقية النّصوص، حتّى و إن حصل ذلك دون تخطيط مسبق.
    و قبل الغوص في بعض الملاحظات حول قصص المجموعة، أشير إلى ذاك  الإخراج الأنيق الذي صدرت به العناوين المتوّجة في مسابقة « إصداري الأوّل ». حيث طغى اللّون الأزرق و هو العلامة المميّزة للمؤسّسة  السّاهرة على المسابقة مع احترام كامل لأناقة السّلسلة الّتي ستكتسب مكانتها بفعل تراكم عدد كتبها في السّنوات القادمة. 
    و لتقريب مناخات الكتابة الأدبية لدى علي العمري أرى أنّه من المفيد أوّلًا  الوقوف عند نصّ الإهداء ثمّ التّصدير  حيث شعرت أنّ التّمعّن في مغازيها سيمنحنا بالضّرورة أجنحة فهم و تأويل للملامح الفنية و المقاصد  البلاغية للقصص سواء  خطّط لذلك الكاتب أو حصل الأمرمصادفة و تلقائيًا. و يعود السّبب في ذلك  إلى قناعة تسكنني و مفادها أنّ الكتاب الأدبي هو في النّهاية وحدة متكاملة تبدأ  بالغلاف الأوّل ( عنوان الكتاب/ الغلاف و إخراجه الفني/ …) وصولًا إلى الغلاف الأخير منه. و لذلك أشعر بقيمة نصّ الإهداء و التّصدير و كلّ ما يصاحب النّصوص من عتبات إن وُجدت. 
        فقد اختار الكاتب علي العمري إهداء باكورة أعماله الأدبية بهذا النصّ: 
      (          إلى مي و لؤي 
          إلى المنسيّات و المنسيّين هنا و هناك 
           إلى النّاس و الرّيح و الشّجر في بلادي الّتي لم أعد أعرفها )
      نلاحظ من خلال هذا النّصّ توجّه الكاتب أوّلًا بالإهداء إلى اسمين علمين هما  (مي و لؤي)، ليتوجّه بعد ذلك إلى  المنسيّات و المنسيّين هنا و هناك في إصرار  على عدم تحديد المكان حتّى يكون القصد أشمل. فهل تعني هنا الأنا أم نحن؟  و كذلك أتساءل عن معنى هناك، و الّتي تحتمل أن تكون أنتم أو غيركم أو نحن بالمفهوم الشّامل للمكان؟ ليُهدي عمله  في الأخير إلى كلّ النّاس و الرّيح و الشّجر في بلاده الّتي لم يعد يعرفها معلنًا لنا عن غربته التي سكنته. 
      فإذا سلّمنا بأنّنا جزء من هؤلاء الناس و اقتنعنا بدور الرّيح في التّلاقح و إذهاب  الوباء، و نظرنا إلى الشّجر كمصدر للعطاء، سنقطف من هذه الجملة بعض مفاتيح أسباب الغربة الّتي سكنت الكاتب، لندخل عوالم  القصص بريبة الحائر و المندهش. فهل سنتوصّل إلى إدراك الأسباب الحقيقية و الخفية الّتي أنكرت عليه معرفة البلاد يا ترى؟ الأكيد أنّ  الجواب مدسوس داخل السّرد القصصي و ما هذه الإشارات إلّا مفاتيح إضافية قد تساعدنا على فكّ الشّفرات الفنية و البلاغية لهذه القصص. 
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

-إذا كان الوعي من أعمال العقل،وإذا كان العقل يغلب عليه التشاؤم أحيانا،وهو يحلّل ويستقرئ ببرود وحي
09:16 - 2024/04/15
مرّت ذكرى يوم الطفل الفلسطيني الموافق للخامس من شهر افريل هذه السنة في ظروف صعبة لواقع الطفل الفل
09:16 - 2024/04/15
بقلم: محمد سعد عبد اللطيف (مصر) كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية
09:16 - 2024/04/15
ذكرى تونسة الأمن  هي ذكرى خالدة وعزيزة على كل التونسيين، تضاف إلى الذكريات الوطنية الأخرى في تونس
07:00 - 2024/04/14
بحسب رأيي وفي الوقت الحالي وأمام أهوال ما بلغه العدوان الصهيوني على شعبنا وأراضينا الفلسطينية الم
23:29 - 2024/04/10
قال: لولا التقلبات السياسية في أوروبا والتهديدات الألمانية لفرنسا سنة 1938 لتم الحكم على الزعيم ب
07:00 - 2024/04/08
لوقت غير بعيد و تحديدا ما قبل سنة 2011 كانت السياحة في تونس أول مموّل للمالية العمومية من العملة
07:00 - 2024/04/08