بورتريه: يحي سريع.. السريع

تنطق ملامحه بالشهامة العربية الأصيلة التي تنبعث اليوم من تلال اليمن السعيد بتاريخه المجيد ورجاله الأشاوس الذين لبوا نداء الأقصى استرضاء للخالق ودفاعا عن الحق.
يحي سريع الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية هو بالفعل واجهة براقة لوطن يصعب فيه التمييز بين الجندي والمواطن ويجسد كل معاني الأنفة والعزة والإباء وسط مستنقع عربي تفوح منه رائحة الذل والخيانة في أعقاب عقود من الاستسلام والخنوع أفرزتها سياسات وخيارات أطنبت في تكريس نظرية «مجتمع الإستهلاك» وانبثق عنها ذاك السؤال الآثم والمستفز من أفسد الآخر الشعوب أم الأنظمة؟
تلك العقود من الذل يمسحها يحي سريع عندما يطل شامخا مرفوع الرأس طليق اللسان يسرد تفاصيل طور جديد من أطوار الحصار الخانق الذي فرضته القوات اليمنية الباسلة على الكيان الصهيوني حيث صار البحر الأحمر مقبرة للسفن المتجهة إلى موانئ إسرائيل وأهم أركان التفوق الإستراتيجي لمحور المقاومة في حرب استنزاف يبدو أنها تتجه إلى إعادة ترتيب أوضاع الشرق الأوسط برمته وبالنتيجة أصبح « سريع » الشخصية العربية الأكثر شهرة خاصة في أوساط الشباب المتحرر من ذاكرة الهزيمة والمندفع بثقله وراء طوفان الأقصى واثقا في النصر وطامحا إلى افتكاك المبادرة في صياغة تاريخ عربي جديد بعيد للأمة تفوقها وأمجادها ومسؤوليتها الإنسانية بوصفها حاضنة للحضارة.
ومن هذه الزاوية يبدو يحي سريع انعكاسا لقوة الدافع الحضاري ومرآة لثورة الشباب العربي الذي استعاد بقيام طوفان الأقصى ثقته في قدراته وأعاد اكتشاف إرثه الحضاري المشرف والملهم ليمسح تداعيات نصف قرن من تهميش وشيطنة الشباب تمثل بشكل أو بآخر إحدى أهم تمضطهرات التضليل الصهيوني الذي استهدف قلب الأمة النابض بتشويه صورته وتلغيم محيطه يشتى أسلحة الإحباط مثل المخدرات والفكر الداعشي استثمارا للعجز السيادي العربي الذي أفرزه نهج الإستسلام وخلف أوضاعا معقدة ومختلفة أوصدت أبواب الأمل والفعل أمام الشباب.
وفي المقابل يظهر محتوى التواصل بين الشباب العربي على الشبكة العنكبوتية وارتباك التوازنات المالية لأعتى العلامات التجارية الصهيونية تحت وطأة المقاطعة الاقتصادية أن هذا الشباب متمكن من أدوات العصر يدرك جيدا من هو العدو ومن هو الصديق ويتمتع باتساع أفق التفكير مثلما بضبط ساعته على توقيت العصر بما يؤهله لدور القيادة في مشروع تقدمي عربي جديد لا يتمفصل عن سياق تحرري إنساني يدور حول القدس ويتجه إلى تقويض قرون من الوهم الصهيوني قامت على تزييف التاريخ وتشويه الجغرافيا.
وعندما تستمع إلى يحي سريع ستلمس كل هذا المخاض الذي يدور في عقل الشباب فهو صاحب رؤويا شاملة متمكن من التفكير الإستراتيجي يبث في من يستمع إليه روح النصر والإيمان بالحق متفوقا على منابر التضليل الصهيوني بما في ذلك القنوات الخليجية الفارقة في وحل العمالة والتي أطنبت في شيطنة القوات اليمنية الباسلة باستخدام شتى الأراجيف قافزة عمدا على الحقائق الموضوعية التي تظهر بكل وضوح أن اليمن السعيد بقدر ما يجسد «الحمية» العربية فإنه ملتزم بالميثاق الدولي استنادا إلى معاهدة «سان ريمو» التي تجيز ممارسة الحصار الاقتصادي بوصفه أحد أدوات الحرب.
والواضح أن هذا الحصار الاقتصادي قد تسبب في زلزال داخل الكيان الصهيوني تؤكده مختلف المؤشرات وفي مقدمتها ارتفاع عجز المالية العمومية إلى 69 مليار دولار بفعل تضخم النفقات العسكرية وتعطل سائر محركات الاقتصاد في ظل ارتباك نشاط الموانئ التجارية البحرية التي تمثل شريان الاقتصاد حيث توقف تماما ميناء إيلات وتراجع نشاط ميناء أسدود بنسبة 85 بالمائة والأهم من ذلك أن ميناء حيفا أصبح ثغرة هيكلية خطيرة في منظومة الأمن القومي الإسرائيلي بفعل اضطرار الكيان الصهيوني إلى تحويل أغلب المبادلات التجارية إلى هذا الميناء الذي يعتبر أيضا المصدر الرئيسي لإمدادات الكهرباء ومن ثمة فإن أي ضربة يوجهها محور المقاومة إلى ميناء حيفا ستعزل إسرائيل عن العالم الخارجي كما ستغرقها في الظلام الدامس.
وبالنتيجة تمثل تداعيات هذا الحصار الاقتصادي أهم أركان التفوق الإستراتيجي لمحور المقاومة الذي يشكل الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني عموده الفقري حيث وضع الكيان الصهيوني على طريق الإنهيار من خلال تقويض أسس «دولة الأمن والرفاه» ومراكمة العوامل المغذية للإحتقان الداخلي الذي يدرك اليوم ذروته بتصاعد وتيرة التصادم بين مكونات المجتمع الإسرائيلي وتفاقم الهجرة المعاكسة إلى الخارج لأن الكيان الصهويني خسر ما يسمى عقيدة الردع من خلال انسداد سبل تصدير تناقضاته الداخلية إلى الخارج.
وبالمحصلة فإن مزيج القوة والوضوح الذي يتدفق على لسان «يحي سريع » يمثل انعكاسا لتفوق استراتيجي متصاعد صنع منعرجات تاريخية في مقدمتها عجز حلف شمال الأطلسي عن فعل أي شيء لتخفيف الحصار البحري الذي فرضه اليمنيون الأشاوس على الكيان الصهيوني لدرجة أن واشنطن فوّضت قيادة ما يسمى القوات المشتركة في البحر الأحمر لحليفتها أستراليا تفاديا لضربة يمنية تزيد في اهتراء صورتها في العالم وتؤدي في المقابل إلى تسريع الإصطفاف وراء قطار العالم الجديد الذي يدور حول القدس بالذات.