فرضت تطورات الأوضاع الأمنية في ليبيا نفسها بقوة على السياسة الخارجية  التونسية، بعد أن جرّت تصريحات وزير الدفاع واتهامات وزارة خارجية حكومة بنغازي لأطراف تونسية بالتورط في ارسال مقاتلين إلى ليبيا، إلى صعود هذا الملف على سطح الأحداث.

تونس - الشروق 
لا تزال الأزمة الليبية المندلعة منذ الإطاحة بالعقيد الراحل معمر القذافي تشكل احد  اهم التحديات للديبلوماسية التونسية التي تتعامل مع الوضع المتوتر في ليبيا ،من منطلق رفض التدخل الأجنبي والتمسّك بالشرعية الدولية.
  لم تكن تونس بعيدة عن مرمى ما يحصل في ليبيا في المدة الأخيرة بعد طلب توضيحات على إثر تصريحات وزير الدفاع عماد الحزقي التي وصف فيها الطرف المسيطر على المعابر الحدودية ب"الميليشيات" ما استدعى توضيحا رسميا من الرئيس قيس سعيد لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ، ثم صدور مراسلة  من وزارة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة بنغازي  طالبت ضمنها بإيضاحات حول تداول أخبار متعلقة بتواصل أطراف تونسية مع حكومة الرئيس التركي أردوغان لنقل مقاتلين الى ليبيا لزعزعة الاستقرار هناك.
و بالنظر للامتداد الحيوي لتونس في ليبيا ، كانت الآمال معلّقة على دور تونسي أكبر لحلحلة الصراع الدائر هناك، يُجمع الخبراء أنه بدأ في التلاشي لصالح قوى أخرى على غرار مصر والجزائر والمغرب التي فرضت نفسها بقوة في المعادلة الليبية من خلال اتفاق الصخيرات مرورا بالدعوة المتأخرة لتونس لمؤتمر برلين ما يؤشر لبداية انحسار الدور التونسي نتيجة غياب رؤية واضحة في التعامل مع هذا الملف.

تجاذبات سياسية 
بالعودة إلى بدايات الثورة الليبية يتضح الدور البارز الذي لعبته تونس انسانيا واقتصاديا إبان حكومة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي قبل أن يخضع الملف برمّته إلى ارتباطات الأحزاب وتوجهاتها وفق المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي في تصريحه لــ"الشروق" على حساب بلورة موقف وطني يراعي مصالح تونس وهو ما تجلى في انحياز حكومة الترويكا للمحور القطري التركي المساند لأحد الأطراف السياسية قبل أن يتغير الموقف بعد انتخابات 2014 ، لتظل العلاقات الثنائية حبيسة الائتلافات الحاكمة وأجندات الأطراف السياسية التي تهدّد مستقبل العلاقات بين البلدين بين انتهاء الأزمة في علاقة بملف إعادة الإعمار في البلد الشقيق بالأساس.
من جهته اعتبر الباحث في الشأن الليبي رافع الطبيب في تصريح ل"الشروق" أن بعض الجهات السياسية تنخرط في مخططات اقليمية مشبوهة بما يتعارض مع المصلحة الفضلى للبلاد وتنفذ أجندات خارجية لبعض الدول التي تأجج الصراع في الجارة الجنوبية، مشيرا إلى أن الدولة التونسية مدعوة إلى تبني "عقيدة استراتيجية" تحدد توجهاتنا في علاقة بالخيارات الكبرى في التعامل مع الملف الليبي حفاظا على مصالحنا الحيوية .

غياب الحس الديبلوماسي 
يجمــع العارفــــون بالشأن الديبلوماسي على الارتباك لذي لا يزال يطبع تعامل السلطة المنبثقة عن انتخابات 2019 مع الشأن الخارجي عموما ومع الملف الليبي بصفة أدق بعد استقبال الرئيس قيس سعيّد لأطراف من القبائل الليبية دون أخرى والتسويق لرعايته مبادرة لحل الأزمة وهو ما نفاه بيان المجلس الأعلى للقبائل الليبية الذي رفض كل التزامات ومواقف صادرة عن الاجتماع المذكور ، وهو موقف يدلّ على غياب الحس والحنكة الديبلوماسية للسلطة الجديدة وفق الخبير في الشأن الليبي غازي معلّى في تصريحه لصحيفتنا الذي تترجمه أيضا تصريحات وزير الدفاع التونسي التي استوجبت تدخل رئيس الجمهورية لتوضيح الموقف الرسمي التونسي.
وأشار معلّى في تصريحه إلى أن تونس تعاملت مع الملف الليبي في جانبه الأمني على حساب المقاربة السياسية منتقدا غياب سفير لتونس منذ 2014 والاكتفاء بالتمثيل القنصلي وهو ما لا يمكن تبريره بتوتر الوضع الأمني حيث كان من الممكن تعيينه مع الإقامة بتونس كما هو الحال لعدة بعثات أجنبية في ليبيا التي يقيم ممثلوها ببلادنا ، داعيا إلى تفعيل الديبلوماسية غير الرسمية بتفويض شخصيات غير رسمية ممن لهم امتدادات وعلاقات وثيقة مع الأطراف الليبية لتدعيم العلاقات بين البلدين خاصة في جانبها الأمني والاقتصادي بالنظر لتعقيدات الوضع الميداني هناك.

اكراهات الوضع
من ناحية أخرى اعتبر الديبلوماسي السابق في ليبيا محمد جنيفان في تصريح لــ"الشروق" أن التعامل الرسمي مع الملف الليبي لا يشوبه الغموض على خلاف كل القراءات التي تروّج لهذا الموقف على اعتبار تبني تونس لتوجه يقوم على التمسّك بالشرعية الدولية ورفض كل تدخل أجنبي والتمسّك بالحل السلمي والسياسي للصراع الدائر هناك ، مشيرا إلى أن تعقيدات الوضع الميداني والأجندات الدولية والإقليمية تدفع تونس إلى انتهاج الحياد الإيجابي مع جميع الأطراف المتصارعة حتى لا تتورط في أتون الأزمة بما يحفظ مصالح البلاد.