بالمناسبة ... أي معنى لجلاء زراعي لا يحقّق أمننا الغذائي؟ !

بالمناسبة ... أي معنى لجلاء زراعي لا يحقّق أمننا الغذائي؟ !

تاريخ النشر : 12:08 - 2020/10/15

الجلاء الزراعي يحيلنا رأسا إلى الفلاحة.. والفلاحة تحيلنا رأسا إلى الغذاء.. والغذاء مفهوم شامل يحيلنا إلى الأمن الغذائي.. فكيف تعاطينا مع هذه المعطيات وهل نجحنا في تحويل الجلاء الزراعي بما هو كنس للمعمرين واستعادة لأخصب الأراضي الفلاحية إلى استراتيجية شاملة لتحقيق الأمن الغذائي؟
الأمن الغذائي يعني أن ننتج من مزارعنا ومصانعنا وبسواعد وأدمغة أبنائنا ما يحتاجه شعبنا من مأكل ومشرب.. كما يعني وقف نزيف العملة الصعبة التي نهدرها في توريد غذائنا.. علاوة على رفع سيف التبعية الغذائية لدول تقع وراء البحار. لكنها تتحكم في رقابنا وفي قرارنا ببساطة لأننا نورّد منها مأكلنا...
هذا المفهوم ـ الأمن الغذائي ـ مفهوم قديم قِدَم الحضارة البشرية. حيث عمد الإنسان بوسائله البدائية إلى تخزين كميات من الأغذية أزمان الوفرة لاستهلاكها أزمان الندرة. وحتى أجدادنا وآباؤنا كانوا يحرصون على مفهوم «العولة» الذي يمكن بشكل من الأشكال من تحقيق الأمن الغذائي ولو في حدود دنيا ومعقولة...
ليس هذا فقط. بل إن القرآن الكريم مثلا أخبرنا قبل أزيد من 14 قرنا بضرورة أن نخزّن في سنوات الخير والوفرة ما نسدّ به حاجياتنا سنوات القحط والجفاف وشح السماء.. وكان تأويل سيدنا يوسف عليه السلام لرؤيا الملك حول السبع بقرات السمان والسبع بقرات العجاف عبارة عن درس للبشرية جمعاء في ضرورة التخطيط الاستراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي وتخزين الزائد على الحاجة للسنوات العجاف...
فكيف فرّطنا في مفهوم "العولة" وكيف أدرنا ظهورنا عن حكمة النبي يوسف عليه السلام وقد جرّبت وقتها فأعطت نتائج باهرة ؟ وهل تحركنا على الأقل بعد استرجاع أراضينا وقرارنا الوطني باتجاه تحقيق أمننا الغذائي؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ليست صعبة. بل هي ملموسة وبديهية وماثلة أمامنا بالخصوص في السنوات الأخيرة.حيث غابت السياسات وغابت الخطط والتوجهات وغابت الحوافز والتمويلات.. وتاه المسؤولون في دوامة التجاذبات وغرق الفلاحون في الديون والاشكاليات وأصبح قوت الشعب ورقة تتداول في المزادات.
حين تكون "صابة" الحبوب جيّدة تغيب الأكياس والمخازن وتتلف كميات كبيرة من "الصابة" وسرعان ما نهرع إلى التوريد لسد حاجياتنا. وفي موسم إنتاج البطاطا تفيض "الصابة" فينقضّ عليها المحتكرون. وتنهار أحلام الفلاح على جدار جشع المحتكرين وجحود الدولة لنعود بعد حين الى توريد البطاطا بالعملة الصعبة. وفي فترة ادرار الحليب تسكب كميات كبيرة في الأودية والحقول. ويدمر نسيج تربية الأبقار لنعود بعد حين إلى توريد الحليب من الخارج... ما يحدث مع هذه المواد يحدث تقريبا مع كل المواد. حيث يكافأ جهد الفلاح بتركه وحيدا وإجباره على إتلاف محاصيله.
أين الدولة من كل هذا ؟ ومتى يهبط مسؤولونا من عليائهم ليضعوا الخطط والبرامج لتحقيق الأمن الغذائي؟ ومتى يضعون الاستراتيجيات الكفيلة بإعطاء مضمون حقيقي للجلاء الزراعي الذي بقي حتى الآن مجرّد حدث عابر لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يساعد على تحقيق الاستقلال الغذائي حتى يكون لمفهوم الجلاء الاستقلال معنى... 
لقد حان الوقت لطرح السؤال الكبير: متى نتحرك في اتجاه تحقيق الأمن الغذائي حتى نجعل للجلاء الزراعي معنى وحتى نعيد الاعتبار الى قطاع الفلاحة الذي لن تقوم لنا قائمة ما لم نجعله العمود الفقري لمنوال تنموي جديد يقود إلى استصلاح أراضينا وبعث نسيج من الصناعات التحويلية نضمن بها تشغيل مئات الآلاف من شبابنا ونضمن بها أمننا الغذائي ونصون بها استقلالية قرارنا الوطني.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

استثنت وزارة المالية العديد من أنواع الحلويات الشعبية من دفع إتاوة الدعم المطبقة من اجل تعزيز موا
11:18 - 2024/05/15
يكون طقس اليوم الاربعاء 15 ماي 2024 مغيما جزئيا خلال هذا اليوم مع ظهور خلايا رعدية محلية بعد الظه
08:49 - 2024/05/15
تشارك تونس في الخامس عشر من شهر ماي المجموعة الدوليّة احتفالها باليوم العالمي للأسرة الذي اختارت
08:02 - 2024/05/15
ترأس وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمّار، الوفد التونسي المشارك في الاجتم
07:00 - 2024/05/15
أفاد وزير الشؤون الدينية إبراهيم الشائبي أمس الثلاثاء أن أوّل سفرة للحجيج ستنطلق يوم 22 ماي الجار
07:00 - 2024/05/15
أعلنت وزيرة التجهيز والإسكان والمكلّفة بتسيير وزارة النّقل سارة الزعفراني الزنزري، انه يجري تركيز
07:00 - 2024/05/15
 أشرف رئيس الحكومة احمد الحشاني بقصر الحكومة بالقصبة، على مجلس وزاري مضّيق خصّص لمواصلة النظر في
07:00 - 2024/05/15
صدر بالرائد الرسمي للجمهوريّة التونسيّة لليوم الثلاثاء القانون عدد 24 لسنة 2024 مؤرخ في 10 ماي 20
00:19 - 2024/05/15