الكورونا والأسئلة الحارقة

الكورونا والأسئلة الحارقة

تاريخ النشر : 16:34 - 2020/04/08

شهر آخر؟ اثنان؟ ستة؟ لا احد بإمكانه   المجازفة بتحديد تاريخ خروجنا من نفق أزمة الكورونا المظلم. فحتّى بصيص الضوء الذي تراءى لنا لحظةً عبر تباطؤ مُنحنى الإصابات و الوفيات اصبح اليوم مهددا بالتلاشي بسبب عودة   و استفحال سلوكيات اللامبالاة و التهور  و عدم الانضباط لمواطنينا.
الأكيد ان نهاية الجائحة لن تكون غدا ولا بعد غد.و في انتظار ذلك وجب مواصلة و دعم التضامن و التنجنّد  لمجابهة هذه الكارثة، سلاحنا الانجع في ذلك الالتزام بقواعد التوقي من حجر صحي و تباعد اجتماعي و لبس القناع و تنظيف الأيدي.
هي حرب،والحرب تستلزم تنظيما وتفكيرا في الحاضر و في المستقل.في يومنا،وفي غدنا وبعد غدنا.فالأكيد، كذلك، ان الجائحة  ستحدث لا محالة تغيرات عميقة  في العالم،وانّ ما بعد الكورونا لن يكون كما قبلها.

وفي حين تنكبّ دول العالم بنخبها من علماء و اقتصاديين و مؤرخين و غيرهم من كبار الاخصائيين على التفكير في استخلاص دروس الأزمة و تصوّر الحلول لتداعياتها و رسم ملامح مجتمع الغد الذي يستتبعها ، نلازم نحن السكوت المطبق و كاّن ما نشهده مجرّد حادثة عابرة.
للأسف، نحن مجتمع لا يفكّر.او لعله يخاف التفكير لانّ التفكير يحتاج الالتزام  و الجرأة،و نحن نفضل "الجهد الأدنى" و الركون الى التتبع السهل و التنقير و التنبير. فكأننا لم نؤسس جامعات ،و كاننا لم نكوّن نخبا، و كاننا لم ننشر ثقافة.
ان الحجر الصحي المفروض علينا و على العالم يوفر لنا فرصة لا تُعوّض للتفكير الجماعي حول ما بعد الكورونا، و ما يجب ان يتوفر من حلول ليس فقط لمجابهة ما تطرحه هذه الجائحة من مشاكل و تحديات جديدة ، ولكن لاستكشاف مسارات مجتمع التطور و العدالة الاجتماعية التي نروم.و إن ذلك مسؤولية الحكومة التي يجب ان تثبت و تظهر انها ترتكز في ممارستها لصلاحياتها على تمشّ يعتمد التفكير و التخطيط و بإسهام ممثلي نُخب البلاد  المشهود لهم ضمن مجالس و هيئات علمية.لقد حان الوقت ان تتحمل نخب البلاد مسؤلياتها و الاّ  نترك مستقبل البلاد يحدده منشّطو التلفزات التجارية.
و ان وجوب إعطاء الأولوية الآن للعلاج و احترام الحجر الصحي لا يمنع من طرح الأسئلة الحارقة. 
و اول هذه الأسئلة سؤال يفرض نفسه و نحن في عطلة- حتى لا نقول تعطيل- مدرسي اجباري:لماذا  المدرسة و مستوى التعليم يتراجع بلا انقطاع؟لماذا المدرسة و  المنقطعون يُعدون بعشرات الآلاف كل سنة؟ لماذا  المدرسة و نسبة الأمية  وصلت الى مستويات مفزعة؟لماذاالمدرسة و نحن لا نجد من يصنع لنا خبزا جيّدا، و من يجمع صابة زيتوننا و من يفلّح اراضينا المهملة؟
ثم لماذا مدرسة عمومية تُكلفنا المليارات إذا لم نوفر حاسوبا لكل تلميذ يمكّنه من مواصلة التعلم زمن الكورونا؟ أليس في وسع آلاف اصحاب الثروات الكبيرة في بلادنا ان يتبرعوا بما يضمن هذه الأداة البسيطة لكل تلميذ معوز؟ 
لماذا مدرستنا محبوسة في طرقها القديمة البالية و بيداغوجياتها التي تجاوزتها الأحداث و التطورات العلمية و التكنولوجية؟ أين  علماء التربية، أين الاولياء، أين الجمعيات؟
أسئلة صعبة و قاسية، لكنه يجب علينا التسلّح بالجرأة و الشجاعة لطرحها و معالجتها بالوعي و المسؤولية التي تفرضها علينا جميعا ضرورة التهيؤ لعالم ما بعد الكورونا.عالم آخر جديد.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

من الإنجازات الصحية التي تفتخر بها بلادنا أذكر اليوم المستشفى الجامعي الكبير شارل نيكول الذي يتوا
07:00 - 2025/08/02
هكذا يوافق يوم الأحد: هياكل عظمية غزاوية وخراب هيكل صهيوني، هكذا يوافق يوم الأحد ما يسمى " ذكرى خ
20:15 - 2025/08/01
في زمنٍ يتهاوى فيه كلّ ما تبقّى من القيم، لا بدّ من تسمية الأشياء بأسمائها.
07:00 - 2025/07/31
رغم انني أعرف أغلب شوارع العاصمة التي قدمت اليها وعمري 11 سنة لاجئا من الجنوب (مدنين) لا عفوا (ان
07:00 - 2025/07/31
من خلال مسيرة الأمين السعيدي الأدبية نتبين أن للرواية تقنياتها الخاصة وأسلوبها المتفرد ولغتها الح
22:14 - 2025/07/29
لست أدري كيف ستكون البداية و إلى أي مدى يمكن أن تسعفني بندقيّتي التي لطالما عانقتني متى اشتقت أين
16:58 - 2025/07/29
في جنوب سوريا برز «سيدٌ»جديدٌ يأمُرُ ويُنْهِي، ويسرُقُ الأراضي، ويُقيمُ القواعد العسكرية، إنَه ال
07:00 - 2025/07/28
عندما كنت صغيرا وأبلغ من العمر 11 سنة أول منظمة انخرطت بها الكشافة التونسية بمدينة بن قردان تحت ق
07:00 - 2025/07/27