انطباعات حول رواية "مدن ولا سراول" لكاتبتها كلثوم عيّاشيّة"

انطباعات حول رواية "مدن ولا سراول" لكاتبتها كلثوم عيّاشيّة"

تاريخ النشر : 10:22 - 2019/07/01

بقلم نجاة البكري

 

لهاث وارباك ومتعة في ملاحقة "منية النّفوس" وهي تحاول انقاذ نفسها من لعنة الأقدار الّتي شاء الجهل كعادته أن يلبسها ثوب الضياع.

"منية النفوس" اسم بطلة الرواية الّذي رغم أهميّة مغزاه ظهر متأخرا فهو اسم جميل وعميق في معناه وبمدلوله حملنا لنفوس عدة حين دعانا للغوص فيها من خلال رواية المبدعة (كلثوم عيّاشيّة) "مدن ولا سراويل" التي حازت على الجائزة الخامسة في مسابقة توفيق بكار للرواية 2019

"منية النّفوس" رغم ايجابية معنى هذا الاسم المركّب إلا أنّه كان حمّال لمأساة انسانيّة إلا أن صاحبته سعت جاهدة كي تغنم بقطرة من نبع حبّ الأمومة الّذي بقي شحيحا كلما اقتربت منه، فتمنّت أن تغنم بما فقدت حتى أنها بحثت في روح المدينة العتيقة من خلال تلك النفوس التي لاحقتها علها تظفر بما يبرر ذلك البرود الآدمي ويجعل من الخيبات مبررا آنيا لتك الصراعات الدائمة.

استبدت "يزّة" المرّوكيّة بكل خلايا منية النفوس فرغم جمالها واستقلالها الاقتصادي لم تتمكن هذه الأخيرة من الانفصال عنها لا لكونها والدتها فقط بل بحثا عن سبب يقنعها عن جفاء أمّ سعت بوعي أو بدون وعي إلى بتر تلك العلاقة السامية والتي نعرفها بفطريتها فإذا بها تتحول إلى صراع غير رحيم يلقي بنا إلى جحيم أمومة لم نعهده. من وما الّذي بتر تلك العلاقة فأفقد معنى الأمومة قيمته الروحيّة؟؟؟

كأنّ بـ"يزّة" التي بترت من منبتها ولقبها والدها بالغريبة، ورغم ما حظيت به من دلال من والدة اخوتها إلا أن جرحها لم يلتئم فبحثت عن سبب كي تشكل مأساتها وتشهد عليها من خلال ابنتها فقتلت فيها أنوثتها وشكلتها دمية بلا روح، وحتى تشهد على اذلال ذاتها من خلال ابنتها جعلتها تلاحقها دون أن تمنحها فرصة الارتواء بما يشتهي كل وليد الارتواء به من والدته.

وخلال ملاحقتها لأمنيتها،أتقنت كلثوم عياشية حياكة المأساة ببراعة متناهية، ولم تكتف بما سلطته من أضواء على ذلك المشهد السريالي بل جرتنا إلى التعرف إلى نفوس أخرى لا تقل في درجات معاناتها عن تلك التي شكلت شخصية "منية النفوس" فعرفتنا بـ"شاذلية" الدزيريّة" شكل مغاير من أشكال الاغتراب ووجه آخر من وجوه المعاناة حتى أنها جعلت القارئ يستمتع بمخاتلة لعبة السرد التي أجادت الكاتبة العزف عليها بكل براعة فتدعوك لمسايرة شخوصها دون القاء أحكام تدينها بل تجعل الشخوص هي التي تدين بعضها البعض لكي تحررها هي بشكل آخر من تلك الإدانة حين تصر على دعوتك لمعرفة تهمته وبذلك تشركك في صراع اجتماعي يكون القارئ طرفا فيه لأنه بملاحقة الأحداث تجعله المدين والمحامي في الآن ذاته...كيف لا وهي تقحمك في حياة التيجاني وحمّادي ودليلة وسلافة ونساء زنقة الحليوي وقبلهم جميعا حياة يزة عقدة الموضوع. وحتى تمنح شخوص روايتها حقهم دعت المكان ومنحته نفس حق الحضور كي يرافقهم بتفاصيله وروائحه فاستنطقته بدقة وصفها وقدرتها على منح الأماكن أرواحا تتناغم مع الشخصيات الملتصقة بها.

ولعل أبدع ما قامت به المبدعة كلثوم انهاء روايتها حين أخرت قصة خديجة أي نبع القصة كي تنهي ببداية لرواية لا تنتهي.

 شكرا على هذه الرواية التي أمتعتني بقدر ما أربكتني...

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

تسجل السينما التونسية حضورها في الدورة التأسيسية من المهرجان الدولي للفيلم القصير بتيميمون (الجزا
22:52 - 2025/11/09
تنظم الدورة 26 لأيام قرطاج المسرحية، منتدى مسرحيا دوليا تحت عنوان "الفنّان المسرحي: زمنه وأعماله"
19:10 - 2025/11/09
أسدل الستار مساء أمس السبت 8 نوفمبر 2025 عن فعاليات الدورة الثالثة المهرجان الوطني للمسرح التونسي
08:13 - 2025/11/09
تسجل الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الملتئمة من 5 إلى 16 نوفمبر 2025 ما لا يقل عن 25
07:00 - 2025/11/09
تستعدّ المطربة عفيفة العويني، لتسجيل أغنية جديدة بعنوان «خطوات» من كلمات الشاعر الغنائي الجليدي ا
07:00 - 2025/11/09
أطلق الفنان وليد الصالحي، اليوم السبت 8 نوفمبر 2025 أحدث أعماله الفنية المصورة بعنوان "غريب".
17:44 - 2025/11/08
.في دورته الثانية من 11 إلى 13 نوفمبر 2025 يأتي مهرجان نظرة ما ‘‹ Un Certain Regard» ليؤكد أن الم
07:00 - 2025/11/08