مع الشروق : ألغام في طريق الدولة الفلسطينية المستقلة !

مع الشروق : ألغام في طريق الدولة الفلسطينية المستقلة !

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/09/24

فيما تتجه أغلب دول العالم صوب الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، يمضي نتنياهو في جنونه واندفاعه نحو إقامة ما يسميه «إسرائيل الكبرى».. وهذا الواقع يخلق لوحة عجيبة فيها قوّتان متضادتان واحدة تدفع باتجاه تسفيه أوهام وأحلام نتنياهو وتقليص مساحة الكيان من خلال تحرير الأراضي المحتلة إثر عدوان 1967... وواحدة تدفع باتجاه الدوس على قرارات الشرعية الدولية وتوسيع حدود الكيان الصهيوني ليستجيب أولا لـ«طموح» نتنياهو في «تغيير وجه الشروق الأوسط» ويستجيب ثانيا لـ«مشروع إسرائيل الكبرى» الذي ظل كل قادة الكيان يتداولونه ويتصيدون الظروف الاقليمية والدولية المواتية  لتحقيقه..
هذه الثنائية بين الإرادة الدولية التي تدفع باتجاه إقامة دولة فلسطينية بما يعنيه ذلك من تحجيم لمخططات نتنياهو وبين إرادة الكيان الصهيوني التي تدفع باتجاه احتلال المزيد من الأراضي من فلسطين المحتلة (كاملة) إلى لبنان والأردن وسوريا والعراق ومصر والسعودية، هذه الثنائية وصلت الآن إلى مرحلة الحسم. فإما أن يتم اعلاء منطق الشرعية الدولية وإما أن ينتصر قانون الغاب الذي يرفع لواءه نتنياهو والمعتمد على غطرسة القوة والمتكئ على الدعم الأمريكي اللامحدود واللامشروط تمويلا وتسليحا وغطاء سياسيا.. وعند هذه النقطة يصبح لزاما على المجتمع الدولي أن يقف أمام المرآة ويواجه هذه الثنائية في اتجاه اعلاء راية الشرعية الدولية والتصدّي لكل نوازع الغطرسة الصهيونية التي جعلت الصهاينة يحتلون كامل أراضي فلسطين التاريخية ويتطلعون بل ويتحركون في اتجاه احتلال مساحات شاسعة من الأراضي العربية الواقعة بين النيل (ان لم نقل المدينة المنورة) والفرات تجسيدا لشعار «اسرائيل الكبرى».
وحين يقف المجتمع الدولي أمام المرآة فإنه سوف يكتشف بأن خطوة الاعتراف في هذه المرحلة بدولة فلسطينية مستقلة تجسيما لحل الدولتين ـ وعلى أهميتها، تبقى منقوصة ولا معنى لها إذا لم تكن مشفوعة بخطوات عملية تتوزع على واجهتين:
ـ واجهة أولى تخص الخطوات العملية الواجب اتخاذها لوضع شعار الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية موضع التنفيذ. وهو ما يفترض اتخاذ خطوات واجراءات (تحت الفصل السابع ان لزم الأمر) لوقف الاستيطان الذي ظل يقضم الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى أحالها إلى ما يشبه قطعة الجبن الفرنسية.. لتصبح التجمعات والمدن الفلسطينية عبارة عن محميات بشرية متناثرة وسط مئات الكتل الاستيطانية التي تمنع التواصل بين المدن الفلسطينية وتحوّل ملايين البشر إلى ما يشبه الأسرى خلف الأسلاك الشائكة وخلف البوابات ونقط التفتيش التي يتحكم بها جيش الاحتلال. وأبعد من هذه الخطوة فإن المطلوب هو الضغط على الكيان لإجباره على تفكيك المستوطنات القائمة على اعتبار أنها كيانات غير شرعية أقيمت على أراض فلسطينية (أراضي الغير) بقوة الحديد والنار.
ـ واجهة ثانية وتخص اتخاذ الخطوات العملية والاجراءات الملموسة لوقف جنون نتنياهو ووضع حدّ لحرب الابادة التي يشنها على أكثر من مليوني فلسطيني في غزة ولكافة اجراءاته القمعية في مدن الضفة الغربية والتي يهيئ من خلالها لعملية تهجير جماعية لسكان الضفة (مع سكان غزة).. وأبعد من هذا المطلوب من المجتمع الدولي ومن الأمم المتحدة التي شهدت التصويت على قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية أن يصادق على قرار مواز (أو يكمل هذا القرار) ويفضي لعدم الاعتراف بما يسمى «اسرائيل الكبرى».. في رسالة مضمونة الوصول إلى نتنياهو مفادها أنه يسير في طريق مسدودة وأن احتلال أراضي الغير بالقوة لا يمكن أن يكون منهجا يتبع ويجازى عليه من يركب غطرسة القوة لتغيير الواقع ولفرض وجهات نظره وإلا عمّت الفوضى وساد قانون الغاب في الساحة الدولية وأصبح السلم والأمن الدوليان أثرا بعد عين.
لكل هذا، فإن خطوة الاعتراف بدولة فلسطينية والتي جاءت تحت ضغط كبير من المواطنين الشرفاء وهم كثر في كل دول العالم تبقى منقوصة ما لم يتم الحسم في هذه الثنائية التي تجعل المجتمع الدولي يسير في اتجاه الحلول السلمية التي تضمن السلم والأمن الدوليين فيما يسير نتنياهو والكيان الصهيوني ومعه ادارة ترامب في نهج التصعيد واشعال المزيد من الحرائق لهثا وراء خرافات توراتية ومشاريع استثمارية تفرغ الشرعية الدولية من أية مضامين وتعبّد الطريق لمنهج حجة القوة وقانون الغاب.. وهذه كلها ألغام وقنابل متفجّرة في طريق الدولة الفلسطينية التي تتهافت الدول على الاعتراف بها.. والتي يصفّق لها الكثيرون مع أنها في هذه الظروف وبهذا الشكل الذي جاءت به لا تساوي أكثر من الحبر الذي كتب به.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك