مع الشروق .. عاصفة اليمين المتشدّد تضرب أوروبا
يشارك غدا الأحد قرابة 50 مليون ناخب فرنسي في آخر انتخابات في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة منذ تأسيسها عام 1958، لاختيار برلمان جديد بعد مغامرة الرئيس ماكرون الذي سارع الى حل المجلس التشريعي على خلفية نتائج الانتخابات الأوروبية التي حقق خلالها اليمين المتطرف ما وصف بالانتصار الكبير .
هذه الانتخابات الفرنسية ستكون لها تداعيات كبرى على المشهد الأوروبي والإقليمي والدولي اذا فاز حزب التجمّع الوطني اليميني المتطرف بأغلبية الاصوات ما يخول له تشكيل أول حكومة يمينية في تاريخ فرنسا . وسيكون المهاجرون من ابرز ضحايا سياسات اليمين المتطرف الذي يبني تصوراته السياسية على اعادة الهوية ومكافحة الهجرة وطرد المهاجرين في صورة الفوز في الانتخابات .
وبإلقاء نظرة على وعود اليمين المتطرف المتصدر لنوايا التصويت الى حدود يوم أمس نجد ان مخاوف المهاجرين والأجانب مشروعة الى أبعد الحدود لأن هذا التيار السياسي المتشدد قدم ترسانة من التصورات السياسية المعادية للهجرة والمهاجرين والمرتكزة على خطاب الكراهية ورفض الآخر . هذه المواقف المتشددة صدرت بكل وضوح عن رئيس التجمّع الوطني اليمني المتطرف جوردان بارديلا المرشح لتولّي رئاسة الحكومة بعد ان اعلن دون مواربة عن سلسلة من القوانين ضد المهاجرين.
ومن أخطر ما يعد به اليمين المتشدّد الفرنسي في مجال محاربة المهاجرين هو الحد من لم شمل العائلات المهاجرة التي تجرى على أساس تصاريح قانونية ، اضافة الى الوعود بالتضييق على تمكين المواليد الجدد من الجنسية حيث سيلغي حق المواطنة بالولادة القائم في فرنسا منذ عام 1515، والذي سيطالب الأشخاص المولودين في فرنسا لدى والدين أجانب بأن يطلبوا الجنسية الفرنسية عند بلوغهم السنة 18 من العمر، بدلا عن الحصول عليها تلقائيا بناء على حق الولادة. اما الوعد الاخر الذي اثار جدلا واسعا فهو اعتزام اليمين المتطرف منع مزدوجي الجنسية من تولي عدد من المناصب الاستراتيجية في قطاعي الدفاع والأمن بحيث تبقى مقصورة على الفرنسيين وحدهم، علماً أن مزدوج الجنسية هو فرنسي، ويحق له ما يحق للآخرين.
كل هذه المؤشرات توكد فعلا ان المهاجرين والأجانب سيواجهون تحديات كبرى وعراقيل متنوعة اذا وصل اليمين المتطرف الى سدة الحكم ، وهي تحديات يجب ان تأخذها الدول المتداخلة في ملف الهجرة في الحسبان وان تضع خططا وتصورات لتفعيلها اذا سيطر اليمين المتطرف على مفاصل فرنسا وبدأ في تطبيق مخططه الفاشي ضد المهاجرين والأجانب.
وفرنسا ليست البلد الأوروبي الوحيد الذي بات في قبضة اليمين المتطرف ، لأن هذا التيار السياسي بات القوة المسيطرة على أغلب دول الاتحاد الأوروبي خاصة في المجر وايطاليا واسبانيا وبولونيا وغيرها وهي تيارات ستقود حتما الى عاصفة داخل المؤسسة السياسية الاوروبية وستعيد رسم المشهد من جديد ، وسيشكل صعود هؤلاء المتطرفين تهديدا جوهريا ليس للمهاجرين والاقليات فقط ، بل ستطال نيران اليمين المتطرف وحدة اوروبا وقد نشهد محاولات جدية لتفكيك الاتحاد الاوروبي لان هؤلاء السياسيين يعارضون معارضة كاملة لفكرة التكامل الأوروبي ويرغبون في الانسحاب من هذا التكتل الأوروبي على غرار الانسحاب البريطاني من الاتحاد عام 2020 .
إذن فصعود اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا ستكون له تداعيات كبرى على المشهد الدولي وسيساهم في إعادة رسم ملامح مرحلة جديد ستطال تداعياتها كل الميادين والقضايا بدءا من العدوان على غزة والحرب الروسية الاوكرانية ومستقبل الاتحاد الأوروبي ، وصولا الى ملف المهاجرين وتداعياته على أمن واستقرار المنطقة ...
ناجح بن جدو
