مع الشروق .. صرخة عابرة للحدود... وللقارّات... وللضّمائر

مع الشروق .. صرخة عابرة للحدود... وللقارّات... وللضّمائر

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/02/28

لأن ما يتعرّض له أبناء قطاع غزة من مجازر ومن حرب إبادة جماعية قد تجاوز كل تصوّر.. ولأن آلة الحرب الصهيونية أبدت تطرفا لم تشهد له البشرية مثيلا فقد قرر «آرون بوشنيل» العسكري بالقوات الجوية الأمريكية أن يقوم بردّ فعل «موغل في التطرف» ـ حسب تعبيره ـ عساه يهزّ ضمير الإدارة الأمريكية إن بقيت لها ذرّات من ضمير، وعساه يهزّ بصرخة وجدان العالم ويدفع باتجاه وقف حرب الإبادة التي تتواصل منذ 5 أشهر بلا حسيب أو رقيب.
«آرون بوشنيل» اختار لتنفيذ اعتصامه والتعبير عن احتجاجه على آلة القتل الصهيونية مكانا تختزل رمزيته كل القضية.. وهو مقر قنصلية الكيان في العاصمة الأمريكية.. أما طريقة التعبير فقد كانت موغلة في التطرف وكأنه أراد من خلالها أن يبلّغ أمريكا والعالم رسالة مفادها أنّ ما يرتكبه الصهاينة في غزة هو قمة التطرف وقمة الجريمة وقمة التوحش. فقد اختار  ببساطة أن يسكب كمية من البنزين على جسده وأن يضرم النار لتأتي عليه ألسنة اللّهب في لحظات وتحوّله إلى كتلة متفحّمة.. تاركة أصداء عباراته «فلسطين حرّة» التي لهج وهو يسكب البنزين ويضرم النار تتردد في المكان وفي كامل أرجاء الولايات المتحدة   الأمريكية وفي كامل أرجاء العالم..
صرخة الضمير التي أطلقها «آرون بوشنيل» والطريقة التي عبّر بها عن غضبه من آلة الحرب الصهيونية ومن الدعم اللامحدود للإدارة الأمريكية لهذا الكيان المجرم.. هي الطريقة التي أراد أن يقول بها للكيان الصهيوني ولإدارة بايدن ولأمريكا وللغرب: كفى.. كفى قتلا وإبادة وكفى دعما لجريمة العصر وكفى دعما لهذا الكيان الذي يقتل كل مظاهر الحياة في قطاع يعيش فيه أكثرمن مليوني إنسان يبيتون ويصبحون منذ 5 أشهر على دويّ القنابل والقذائف والصواريخ وعلى أزيز الطائرات الحربية التي تزرع الموت والدمار في كل أرجاء القطاع.
وستبقى رسالة «آرون بوشنيل» أبلغ رسالة احتجاج على العدوان الصهيوني وعلى دعم وانحياز الإدارة الأمريكية ومن ورائها كل الدول الغربية التي تموّل وتسلّح وتوفّر الغطاء السياسي للكيان الصهيوني حتى يواصل جنونه ويمضي في حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها إلى آخر مداها.. والأكيد أن هذه الرسالة اخترقت جدران مبنى القنصلية الصهيونية في واشنطن تماما كما اخترقت جدران البيت الأبيض والبنتاغون وجدران كامل المباني التابعة لإدارة بايدن ولكل الجدران التي يتكدس خلفها المسؤولون الغربيون وهم يتلذّذون بحرب الإبادة التي ينفّذها نيابة عنهم المجرم نتنياهو.. والتي يتولى من خلالها تمهيد الأرض لتهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية وتهيئة المكان لعبور طريق الهند ـ أوروبا الذي يريد من خلاله بايدن وحلفاؤه احتواء طريق الحرير الصينية والاستئثار بكعكة التجارة والاستثمار بين قارات آسيا وأوروبا مرورا بالشرق الأوسط وبقطاع غزة أرضا وشواطئه تحديدا.. صرخة «آرون بوشنيل» جاءت لتذكّر اللوبي الصهيوني المتحكم في رقاب العالم ومعه الإدارة الأمريكية وكل طابور التابعين بأن القيم الكونية لا تموت وبأن الضمير الإنساني لا يمكن أن يحنّط ويغيّب.. وبأن التجارة والاستثمارات والأرقام ليست كل شيء ولا يمكن أن تلغي إنسانية الإنسان.. صرخة «بوشنيل» جاءت لتنقل صرخة الإنسان في أمريكا وفي أوروبا وفي كل الشوارع والساحات والتي صرخت غضبا ضد المجازر الصهيونية ولم تنفكّ تطالب بوقفها فورا إلى بُعد آخر. وجاءت لتعطيها مضامين أخرى أكثر ـ تطرفا ـ في التعبير وأكثر تطرفا ـ في طريقة التبليغ..
والأكيد أن صرخة «آرون بوشنيل» لن تبقى مجرّد صرخة في واد سرعان ما يلفّها النسيان.. لأنها باختصار صرخة في حجم العالم.. صرخة عابرة للحدود وللقارات.. صرخة عابرة لجدران الضمير البشري ولسجلاّت القانون الدولي.. ولضمائر كل العاجزين والمتفرّجين على جريمة الدهر وهي ترتكب والبشرية في عزّ القرن الحادي والعشرين.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك