في ظلّ الخلافات داخل جمعية "أمل" للمعوقين بباجة ونزاع "الشرعية" على رئاستها، الذي وصل الى أروقة المحاكم، تستمرّ معاناة منظوريها من ذوي الاحتياجات الخصوصيّة الذين وجدوا أنفسهم ضحايا نزاع لا دخل لهم فيه، لكنّه ألقى بظلاله على ظروف الإحاطة والعناية بهم ممّا اثّر سلبا على توازنهم النفسي.

فقد أصبح أكثر من 30 تلميذا مهدّدين بسبب تراجع  الخدمات والرعاية التي توفّرها الجمعية، فضلا عن تردي البنية التحتيّة للمركز، فتحوّل من مؤسّسة نموذجيّة تشعّ على الجهة إلى شبه خراب وفضاء يفتقر لأبسط مقوّمات العمل.

نزاع حول "الشرعية"

افادت امال الدريدي رئيسة جمعيّة "أمل" للنهوض بالمعوقين في تصريح لـ"الشروق" انّه تمّ انتخابها في 12 فيفري 2012 وتجديدها في 2022 طبقا للقانون الاساسي للجمعيات الاّ انّها فُوجئت بتركيز هيئة تسييريّة "غير قانونية" بناء على طلب سحب الثقة من شخصها وتم إعلامها بالأمر عن طريق عدل منفّذ، مضيفة أن هذه الهيئة أوكلت لنفسها تسيير الجمعيّة لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد وتم تعديل القانون الأساسي للجمعيّة والدعوة الى عقد مؤتمر آخر وهو غير قانوني ومخالف للنظام الاساسي للجمعيّة، وفق تعبيرها.

في المقابل، أفادت زهرة الوسلاتي مديرة المركز النموذجي للتربية المختصّة التابع لجمعية امل للنهوض بالمعوقين انّ عددا من الأعضاء قد استقالوا من الهيئة منذ سنة 2019، وبذلك انتهت المدّة النيابية لها، لافتة إلى أن المندوب الجهوي للشؤون الاجتماعيّة قد راسل رئيسة الجمعيّة لطلب مدّه بالتراتيب التي تمّ ضبطها لتجديد الهيئة، فتعلّلت بانّها لم تحدّدها بعد، حسب إفادتها.

وتعمّق الخلاف وبلغ حدّ اتهام امال الدريدي رئيسة الجمعيّة الهيئة الجديدة بتدليس وبيع انخراطات على خلاف الصيغ القانونية مشيرة الى انّه لا ينبغي تغيير قيمة الانخراط الاّ بناء على جلسة عامّة وهو ما لم يتمّ، الأمر الذي نفته زهرة الوسلاتي حيث افادت انّ المنخرطين في الجمعيّة وأغلبهم من أولياء التلاميذ دعوا الى عقد جلسة خارقة للعادة وتمّ خلالها انتخاب هيئة تسييريّة وقتيّة لمدّة 6 أشهر، على حدّ قولها.

هذا الصراع حول الشرعيّة داخل الجمعيّة وصل إلى أروقة المحاكم حيث تولت آمال الدريدي رئيسة الجمعية رفع قضيّة ضدّ مديرة المركز ، وارسال عدل منفذ الى البنك لإيقاف الحساب الجاري باسم الجمعيّة، كما قررت عدم مدّهم باي وثيقة إلى أن يبت القضاء في المسألة، تفاديا لحدوث أي لبس، وفق قولها.

تأثير الصراع على وضعية التلاميذ

من جهته، أكّد بشير الدريدي رئيس الهيئة التسييرية الحالية لجمعية "أمل" للنهوض بالمعاقين بباجة في حديث  لـ"الشروق" انّه يوفّر الموارد الماليّة للجمعيّة من ماله الخاص في حدود ما تسمح به الامكانيّات والتي لا تكفي إلّا  للنقل والإعاشة فقط ، أمّا مسألة التكوين فتتطلّب موارد ماليّة هامّة لا يمكن توفيرها إلاّ عن طريق إعادة فتح الحساب الجاري الخاصّ بالجمعيّة مضيفا انه رغم حصوله على إذن من المحكمة الابتدائية لإعادة فتحه إلّا أنّه لم يتمكّن من ذلك .

يتابع الدريدي: "عدم تمكيني من إعادة فتح الحساب البنكي للجمعيّة نتج عنه حرمان التلاميذ من المشاركة في المهرجان السنوي بباجة لعرض منتوجاتهم وذلك بسبب عدم حصولهم على المواد الأساسية (أقمشة، معدات ... ). كما تمّ حرمانهم من الأنشطة الترفيهية (رحلات ومسابقات ...) وكذلك من المساعدات الاجتماعية الخاصّة بموجة البرد وكل متطلبات الاعاشة بصفة عامّة، إضافة الى عدم تمتّعهم بالإحاطة الصحيّة الدوريّة والموسميّة .

واستنكر الدريدي ما آلت اليه الأوضاع داخل المركز النموذجي خاصّة انّه كان منارة وقطبا لذوي الاحتياجات الخصوصيّة والآن اصبح منفّرا لهم، بسبب تراجع الخدمات خاصّة فيما يتعلّق بالنقل، وهو ما جعل العديد منهم يتخلّفون عن الدراسة ممّا ادى الى تراجع عددهم  الى حدود 30 شخص  بعد أن كانوا أكثر من 50 تلميذ .

اولياء يطالبون بإنقاذ ابنائهم

تساءل أغلب الأولياء اللذين تحدّثوا إلى "الشروق" عن مصير أبنائهم في ظلّ تواصل الصراع داخل الجمعية دون أفق حل في الوقت القريب، حيث طالب نور الدين الجبري وليّ إحدى التلميذات بتسوية وضعية الهيئة التسييرية وايجاد حلّ للصعوبات الماليّة ليتسنّى لأبنائهم التمتّع بكافّة الخدمات، داعيا الى "محاسبة كل من أجرم في حقّ ابنائهم، والتعامل معهم بجديّة والتدخل السريع لإنقاذهم وعدم حرمانهم من تكوين يمكّنهم من فرص شغل تحفظ كرامتهم"، وفق قوله.

بدورها، قالت الولية جميلة ماكني انه تمّ منع ابنها من التمتع بخدمات الحافلة المخصّصة لنقل المعاقين إلى مقر المركز، وأن رئيسة الجمعية "السابقة"طلبت منها أن تجلبه على نفقاتها الخاصّة لمباشرة نشاطه، ويأتي ذلك على خلفية مشاركتها في وقفة احتجاجيّة نفّذها الأعوان والمؤطّرون والأولياء لسحب الثقة منها، وفق تعبيرها.

وأضافت الماكني أنها اضطرت إلى ايقاف ابنها عن الدروس لمدة سنة كاملة بسبب عدم قدرتها على توفير مصاريف النقل، مشيرة إلى أنها أعادته هذه السنة لكنّها تكبّدت مصاريف تنقّله. وتابعت قائلة: "عندما تتوفّر لدي الإمكانيات اصطحب ابني للدراسة، وعندما اعجز عن ذلك اتركه في المنزل رغم انّه يرغب دائما في الذهاب الى المركز ".

كما وجّه أولياء واصدقاء اطفال مركز التربية المختصة التابع لجمعية "أمل" للنهوض بالمعوقين مراسلة الى معتمد باجة الشمالية بتاريخ 23 نوفمبر 2022 طالبوه فيها بالتدخّل العاجل لإنقاذ الجمعية من الوضع المتردي الذي أصبحت عليه.

واكّد المكوّنون بالمركز، من جهتهم، أن الوضعية المتوتّرة أثرت بشكل كبير على الخدمات المقدمة للمنظورين من ذلك عدم توفير الأدوات اللاّزمة لتمكين التلاميذ من ممارسة تكوينهم اضافة الى غياب الصيانة والإصلاح بالنسبة لآلات الخياطة التي يتدرّبون عليها في ورشات مختلفة .

من جانبه، افاد مراد فطحلّي وهو أيضا مكوّن في مجال الخياطة بالمركز انه تم إرسال عريضة الى قسم النهوض بالإدارة الجهوية بشؤون الاجتماعية منذ 4 اكتوبر 2013 حول النظر في تسوية وضعية أعوان الجمعية وفض الإشكاليات المطروحة مع الهيئة والإدارة .

وتابع الفطحلّي انّ الأعوان والمكوّنين طالبوا في ذات العريضة بفضّ المشاكل التي يتعرّضون لها بصفة مستمرة والمتمثلة في صعوبة التواصل والتعامل مع رئيسة الجمعيّة "السابقة"، وفق قوله .

وضعية كارثيّة للمركز ...

أصبح المركز في حالة كارثيّة وتغزوه الأعشاب من كل مكان، كما أن كل ّالمعدات صارت متهالكة وقديمة على غرار الأبواب والشبابيك، والقاعات آيلة للسقوط بسبب الإهمال وعدم القيام  بالصيانة والنظافة والتهيئة . وتؤكد مراسلة للأولياء موجّهة الى معتمد باجة الشمالية بتاريخ 3 نوفمبر 2022 تحصلت (الشروق) على نسخة منها انّه لم يتمّ صيانة المركز التابع للجمعية منذ اكثر من عشر سنوات  حيث تمّ غلق القاعة المتعددة الاختصاصات من قبل المنسّقة الجهوية اثر عمليّة تفقّد للمركز، بالإضافة الى غياب تأمين الأطفال منذ سنة 2012 ، وفق نفس العريضة.

الحل بيد السلط المركزية

من جهته، قال معتمد باجة الشماليّة الزين العكايشي: "سعينا الى حلحلة وضعيّة جمعيّة "أمل" للنهوض بالمعاقين بالجهة بشكل ودّي من خلال عقد جلسة مع والي باجة بحضور كل الأطراف وطالبنا بتنظيم انتخابات جديدة لتعيين رئيس للجمعيّة وذلك مراعاة لمصلحة التلاميذ بالمركز لكن الرئيسة "السابقة" أمال الدريدي التجأت إلى القضاء وتقدمّت بشكوى الى محكمة باجة، كما انّه تمّ إيقاف المنح المخصّصة للمركز من طرف البلدية والولاية منذ قرابة الثلاث سنوات بسبب ما تشهده الجمعيّة من مشاكل وخلافات.

وأوضح الزين العكايشي انّ الحل يبقى رهين استكمال المسار القضائي باعتبار انّ هناك قضيّة منشورة لدى المحاكم في الغرض أو عن طريق وزارة الشؤون الاجتماعية باعتبارها مشرفة على المركز وتملك صلاحيات اتخاذ القرار لوضع حدّ لهذا النزاع.

وفي هذا الإطار، أكّدت رجاء بن إبراهيم المديرة العامّة للنهوض بالأشخاص ذوي الاعاقة بوزارة الشؤون الاجتماعيّة في تصريح لـ"الشروق" انّه سيتمّ قريبا إصدار قرار يقضي بفسخ الاتفاقيّات المبرمة مع الجمعيات التي تستغلّ مراكز نموذجيّة من بينها جمعيّة "أمل" للمعوقين بباجة، وبذلك يتمّ استرجاع المركز ليصبح تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية ويتولّى تسييره المركز الدولي للنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة.