مع الشروق.. القضـــاء في اختبـــار الحقيقــــة

مع الشروق.. القضـــاء في اختبـــار الحقيقــــة

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/02/23

يعيش القضاة وقطاع القضاء بصفة عامة الآن تحت ضغط كبير على أكثر من جهة ، وفي مناخ سياسي واجتماعي متشنج ومتوتر.
يجد القضاة أنفسهم بين ضغط السلطة التنفيذية التي تطلب من "  القضاة الشرفاء " إسناد جهودها في ما تسمّيه الحرب ضد الفساد والتآمر على أمن الدولة ، وبين هرسلة مكونات المشهد السياسي والحقوقي التي تحذّر من خرق الاجراءات القانونية وبالتالي مساعدة النظام على التخلّص من خصومه. 
وبعيدا عن فكّي كماشة السلطة والأحزاب والمجتمع المدني يعمل أغلب القضاة في حالة خوف واضحة خاصة وأن هياكل المهنة تشدد على ضرورة الالتزام باستقلاليتهم وحيادهم وأداء واجبهم بكل نزاهة بعيدا عن التعليمات. 
ويعتقد الكثيرون أن ملف المحاسبة المفتوح ، والذي يحوز على اهتمام كبير في تونس وخارجها ، يشكّل اختبارا حقيقيا لقطاع القضاء ويؤكد انه بدأ يتعافى ويقدّم إثباتات متتالية على استقلاليته واحتكام القضاة فقط الى التشريعات الموجودة والى ضمائرهم عند دراسة الملفات المقدّمة اليهم وتجاوز حملة التشكيك والشيطنة التي انهالت عليهم ، رسميا وشعبيا ، والتي انتهت بحل المجلس الأعلى للقضاء وإعفاء أكثر من 57 قاضيا وقرار عدد آخر من القضاة مغادرة المهنة للالتحاق بالخارج أو بمهن أخرى. 
وينكب القضاة خلال هذه الفترة على النظر في ملفات خطيرة وثقيلة مثل ملفات الفساد المالي والاحتكار والتآمر على أمن الدولة اضافة الى ملفات ذات طابع ارهابي تخص الاغتيالات السياسية والجهاز السري والغرفة السوداء وتسفير الارهابيين الى بؤر التوتر ، وهي ملفات تحظى بمتابعة واهتمام  كبيرين وتتطلب عمليات استقرائية دقيقة للوثائق وللشهادات والاختبارات التي تتضمّنها الملفات ، وهي أعمال تحتاج الى حرفيّة كبيرة والى وقت طويل لا يقبلها المزاج العام الباحث عن سرعة الفصل وإدانة المشتبه بهم أو المتهمين الذين حسمت المحاكمات الشعبية بإدانتهم واعتبارهم مجرمين يستحقون السجن. 
ومن دلائل تعافي القضاء إصدار قرارات ايداع بالسجن وأخرى بالاحتفاظ والتمديد ضد شخصيات وازنة وكانت لها يد طولى في قطاعات القضاء والسياسة والأعمال والاعلام ، وكان الكثيرون يعتقدون انهم فوق المحاسبة والقانون. 
ورغم الضغوطات التي يواجهونها والكمّ الكبير من الملفات وعدم توفر ظروف العمل في المحاكم ، فإن القضاة قادرون على إصدار أحكامهم بكل نزاهة واستقلالية ، لكن ذلك لن يرضي كل الأطراف ،وذلك طبيعي في كل الأنظمة القضائية ، لأن الأحكام لن ترضي الأشخاص والأطراف الصادرة ضدهم مهما كانت درجة تورّطهم ثابتة ولا تشوبها شائبة. 
إن حديث رجال القانون والسياسة في المنابر العامة وخارج أروقة المحاكم عن الاخلالات القانونية،  والرغبة في توظيف القضاء ضد خصوم  السلطة ، هو مجرّد لغو لا فائدة منه غير إرباك الجهاز القضائي والتأثير على أدائه لمهامه. 
ان المحاكمات في تونس ، ومهما قيل ويقال عنها ، تتوفر فيها كل الضمانات القانونية وكل الأحكام الصادرة قابلة للطعن بالاستئناف وبالتعقيب ولا يتم ربحها بالتصريحات والتشكيك في الاعلام والصالونات. 

نجم الدين العكاري
 

تعليقات الفيسبوك