مع الشروق .. قطار «التقسيم وإعادة التشكيل»... في منطقتنا !

مع الشروق .. قطار «التقسيم وإعادة التشكيل»... في منطقتنا !

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/01/09

مخطط «التقسيم وإعادة التشكيل» الذي أطلقته وزيرة الخارجية الأمريكية ـ كوندوليزا رايس ـ مطلع هذه الألفية لم يكن من باب المزاح الثقيل أو الدعابة السمجة... بل كان عنوانا لتوجه استراتيجي للامبراطورية الأمريكية يقوم على تقسيم المنطقة العربية وتفكيك دولها إلى دويلات صغيرة ضعيفة وعاجزة و«فقيرة» للدعم الأمريكي والصهيوني حتى يضمن بقاءها وتستمر.. هذا التوجه يهدف في نهاية المطاف إلى تأمين تفوق اسرائيل في المنطقة العربية بحيث تصبح هي من يملك مفاتيح اللعبة في المنطقة.. ومن يتحكم في إيقاعها لتكون هي المحور والبقية مجرد كيانات قزمية تدور في فلكها.. وبذلك يتسنى للامبراطورية الأمريكية التفرّغ لـ«تصفية الحسابات» مع العملاقين الصيني والروسي الصاعدين واللذين باتا يهددان تفوق الولايات المتحدة الأمريكية وريادتها للعالم.
أما الأدوات اتي سوف تستخدمها أمريكا في تنفيذ مخطط «التقسيم وإعادة التشكيل» فقد حدّد لها أن تكون بعيدة عن استخدام القوة وحشد الجيوش والأساطيل.. لأن غزو العراق وإسقاط نظامه الوطني (نظام الرئيس الشهيد صدام حسين) وكما صرّح بذلك وزير الدفاع الأمريكي الأسبق زمن غزو العراق سيئ  الذكر دونالد رامسفيلد سوف يكون اخر مرة تستعمل فيها أمريكا  القوة المفرطة لإسقاط نظام وتصعيد عملاء. لأن المهمة ستكون موكولة فيما بعد لمبدإ «دمّر نفسك بنفسك» الذي يتولى بمقتضاه أبناء البلد ـ المرشح للتقسيم ـ تدمير بلدهم بأيديهم وتخريبه وإضعافه بحيث يصبح مستسلما لمشرط ـ التقسيم وإعادة التشكيل ـ عندما تنضج الطبخة ويحين أوان التلذذ بها.
ووفق هذا المنطق كانت المسؤولة الأمريكية قد «بشرت» بأن كرة النار التي أشعلت في العراق سوف تتدحرج إلى ساحات عربية أخرى سوف تطال كل الدول المحورية في المنطقة بحيث تكون كل الدول العربية أضعف من أن ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني وأهزل من أن تتصدى لسياساته ومخطاطاته الهادفة في الأخير إلى ابتلاع كل فلسطين على درب تهيئة المناخات لإقامة ما سمي «اسرائيل الكبرى» الممتدة من النيل إلى الفرات.
وبالفعل نحن نشهد منذ ذلك الحين تنقل «كرة النار» بين عديد الساحات العربية. ونشهد تفاني عرب كثيرين وامعانهم في  تخريب دولهم الوطنية وإضعاف أوطانهم وقد انتشوا  بشعارات ومقولات رنّانة سبق لموجة الاستعمار أن ركبت شعارات شبيهة لها مع بدايات القرن 19 واندفاع جيوش الاحتلال الفرنسي والبريطاني والايطالي إلى بلداننا العربية... ومع موجة الفوضى والخراب التي نشرها ربيع الخراب العبري تمدّد الصهاينة وتمططوا مستغلين طمع بعض العرب أحيانا ومستفيدين من ضغوط أمريكا أحيانا أخرى إلى أن حطّ قطار التطبيع رحاله في المغرب الأقصى. محطة ستكون مقدمة لمحطات أخرى تحيلنا إلى نقطة انطلاق مخطط التقسيم وإعادة التشكيل.
وبالفعل، فقد حذر رئيس أركان الجيش الجزائري قبل أيام من وجود «جهات تسعى إلى تقسيم دول المنطقة المغاربية تحت غطاء منظمات غير حكومية وشركات متعدّدة الجنسيات».. المسؤول الجزائري أشار أيضا إلى السياقات الدولية والاقليمية الخاصة التي تشهدها المنطقة مؤخرا ومحاولات أعداء الشعوب خلق بؤتر توتر في منطقتنا الاقليمية.. كلام كبير وخطير ولا يجب أن تذهب مضامينه سدى بل يجب على دول المنطقة التوقف عنده واستقراء المخاطر والشرور التي يستبطنها.. وهي مضامين تدعو أيضا إلى استحضار المخططات التي تطبخ للمنطقة والتي بدأت تطرق الأبواب بإلحاح في سياق تدحرج «كرة النار ـ كرة التقسيم وإعادة التشكيل» إلى الساحات المغاربية بعد أن فعلت فعلها وخرّبت ساحات عربية مشرقية...
فهل ننتبه ونرص الصفوف قبل أن يداهمنا الحريق الكبير أم أننا سنستغرق في لعبة المحاور إلى أن يدوسنا قطار «الشرق الأوسط الكبير أو الجديد» الذي يخضع فيه العرب لسلطان ما سمي «إسرائيل الكبرى»؟
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك