مع الشروق.. عبر ودروس من انتفاضة الحجارة

مع الشروق.. عبر ودروس من انتفاضة الحجارة

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/12/08

يوم غد الخميس لن يكون يوما عاديا في تاريخ الشعب الفلسطيني. ففي مثل هذا اليوم من عام 1987 أبدعت العبقرية الفلسطينية شكلا نضاليا غير مسبوق في تاريخ الشعوب وفجّرت انتفاضة بالحجارة وبالصدور العارية في مواجهة أعتى آلة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط.
في مثل هذا اليوم تعمّدت آلية عسكرية صهيونية دهس 4 شبان فلسطينيين في مخيّم جباليا. عملية جبانة تنم عن عقلية استعمارية متوحشة ومقيتة انتفض ضدها الشعب الفلسطيني ليلقّن الصهاينة درسا لا ينسى وليرسم للبشرية طريقا جديدة للعزّة والإباء والفداء.
الانتفاضة الشعبية العارمة شكّلت هبّة شعب بأسره، بكل أطيافه وأجياله، بكل مدنه وقراه في وجه محتلّ مدجّج بالسلاح ومتشبع بالغطرسة والاستكبار وخيّل له عقله المريض أنه يمكن أن ينتصر في صراع الإرادات ويمكن أن يكسر إرادة الصمود والتصدي التي تبقى بمثابة سلاح الدمار الشامل الفلسطيني الذي لا يقهر. وعبثا تفنّن الصهاينة في استعمال أدوات البطش والقمع. وعبثا أفرطوا في اللجوء إلى غطرسة القوة... لأن شعب الجبارين واجههم بإرادة صلبة وبعزيمة لا تلين سلاحه المقلاع والحجارة وزنود الشباب والأطفال والكهول. وقد خطّ الشعب الفلسطيني متسلّحا بهذه الروح وبهذه الأدوات ملحمة نضالية تواصلت على مدى ست سنوات دفع خلالها ما لا يقل عن 1500 شهيد والاف الجرحى لكنه لم يستكن إلا حين رضخ العدو وحين كسرت شوكته وأيقن بأن المقلاع والحجارة أقوى من كل الدبابات والآليات العسكرية.
لماذا انتصرت انتفاضة أطفال وشبان الحجارة وانكسر العدو؟ ولماذا رضخ الصهاينة لحل تفاوضي رغم انخرام موازين القوى العسكرية بالكامل لفائدته؟ حدث ذلك ببساطة لأن إرادة الشعوب لا تقهر ولا تهزم ولا تكسر... ولأن الإيمان بالقضية وبضرورة طلوع شمس الحق والحرية والانعتاق مسألة لا تقبل نقاشا أو جدالا... وحدث ذلك لأن الشعب الفلسطيني بأسره توحّد خلف قيادته ونبذ كل الألوان والخلافات السياسية وتجنّد لخدمة القضية ولمواجهة محتل لا يعرف غير لغة القوة ولا تهزمه إلا وحدة الصف وقوة الإرادة.
والشعب الفلسطيني يقف على أعتاب الذكرى (34) لانتفاضته الأولى التي سوف تتلوها انتفاضات مطالب باستخلاص العبر والدروس من هذه الملحمة البطولية التي قفز خلالها الشعب على كل الألوان السياسية والفصائل وقفز خلالها فوق كل الخلافات السياسية ليشكل جدارا صلبا كسر به شوكة العدو وقهر به الجيش الذي لا يقهر!... الفصائل الفلسطينية بمختلف ألوانها وأطيافها مطالبة هي الأخرى بترك خلافاتها واختلافاتها جانبا وبالانضواء في جبهة وطنية واحدة تبقى الكفيلة وحدها بردع العدو وبإجباره على التخلي عن لغة الغطرسة وسياسات الأمر الواقع.
ولينظر كل أبناء الشعب الفلسطيني وكل أطيافه وفصائله وأحزابه وجبهاته إلى سياسات العدو الصهيوني إلى تماديه في سياسات التهويد ومصادرة الأراضي وإذلال الشعب برمته وليعملوا على لملمة صفوفهم وتوجيه جهودهم في سبيل بلورة استراتيجية نضال وطني جديدة تتماشى مع هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة من تاريخ الشعب والقضية. وإذا كان الشعب الفلسطيني قد هبّ عام 1987 انتقاما لدماء الشهداء الأربعة وفجّر انتفاضة دامت 6 سنوات، فكيف يكون رد الفعل على سعي العدو لقبر الوطن والقضية؟
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك