مع الشروق.. القروض... مطية لمصادرة السيادة والقرار الوطني

مع الشروق.. القروض... مطية لمصادرة السيادة والقرار الوطني

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/10/20

بعد الكنغرس الأمريكي الذي عقد قبل أيام جلسة استماع حول الأوضاع في تونس، تحرّك البرلمان الأوروبي في توزيع واضح للأدوار ودخل في سلسلة جلسات حول الأوضاع في تونس سوف تنتهي يوم الخميس بالتصويت على لائحة في هذا الشأن.
لقائل أن يقول: وما علاقة الكنغرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي بما يجري في تونس؟ وما شأن النواب الأمريكيين والأوروبيين بقضية داخلية تونسية وتعدّ شأنا تونسيا صرفا لا يعني أولا وأخيرا إلا الشعب التونسي؟ ثم ألا يعد هذا الصنيع من قبيل التدخل في شأن داخلي تونسي؟ هذه الأسئلة رغم وجاهتها يقفز عليها الكثير حتى المحللين ومن المتعاطين مع الشأن التونسي حتى بدت مسألة عقد الجلسات في واشنطن وبروكسيل أو عواصم غربية أخرى أمرا من قبيل تحصيل الحاصل ومسألة مفروغا منها مع أن القوانين والأعراف الدولية تحمي السيادة الوطنية للدول وتجرّم التدخل في شؤونها الداخلية.
لماذا يتم القفز على هذه المسلمات في التعاطي مع خطوات متشابهة يفترض أن تلاقي التنديد والإدانة من كل المكونات السياسية والمجتمعية لكيان ما؟ للإجابة يتكئ الخانعون والخاضعون لهذه الضغوط والقابلون بها إلى موازين القوى على اعتبار أن أمريكا هي القوة الأعظم وأن الاتحاد الأوروبي هو الكتلة السياسية الأقوى التي تتبنى النظام الديمقراطي وتدافع عنه. وقد يتكئون أيضا إلى كلام من قبيل طالما أن بلدا مثل تونس هو بلد صغير وإمكاناته ضعيفة ومحدودة وطالما أنه يعيش انتقالا ديمقراطيا واقتصاده منهار وهو ما يجعله في حاجة إلى التمويلات القادمة من الدول الكبرى ومن تجمع في حجم الاتحاد الأوروبي، فإنّه سوف يكون من العبث قبول المساعدات والهبات والقروض بيد ورفض التدخل في الشأن الداخلي باليد الأخرى! وهذا المنطق مردود على أصحابه لأنه لو استقام الوضع وحُقّ للدول الكبيرة أن تتدخل في الشأن الداخلي للدول بحجة أنها تمنحها المساعدات لتحوّلت دول العالم الثالث كلها إلى حدائق خلفية ترتع فيها قوى الاستكبار العالمي.. ولتحولت الدول المستضعفة إلى ضيعات يمارس فيها كبار العالم رياضة العربدة واستعراض العضلات ومصادرة إرادة الشعوب بتعلة أنها من الدول المانحة أو الممولة... ثم إنه وفق هذا المنطق فإن  استقلال الدول وسيادتها الوطنية ستصبح سلعة تباع وتشترى في بورصات السياسة ومزادات المصالح. ووفق هذا المنطق فإنه يصبح «من حق» الدول الغنية أن تصادر سيادة الدول الفقيرة وأن تحولها إلى كيانات تابعة لا معنى لاستقلالها ولسيادتها ولحرية شعوبها التي ستتحول إلى بضاعة تباع وتشترى في برلمانات الدول الكبرى.
لقد أبدع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرا في الرد على أصحاب هذه الترهات وعلى دعاة «المساعدات المشروطة» على شاكلة «البيع المشروط» عندما دعا المطالبين بالتعجيل بتشكيل حكومة تونسية إلى تشكيل حكومات في بلدانهم إن كانوا من هواة تشكيل الحكومات عند باقي خلق الله... وكذلك عندما أفحم المطالبين باعتماد «فترة انتقالية» في الجزائر بدعوتهم إلى اعتماد هذه الوصفة في بلدانهم إن كانت فيها مصلحة. أما في الجزائر فإن لها قيادة وشعبا يقّدران ما يصلح لها ويعتمدان ما يصلح لدعم سيادتها واستقلالها...
إن هذه القوى الغربية شريكة في جريمة تدمير تونس وتخريب اقتصادها عندما أغرقت حكام العشرية الماضية بالقروض والهبات التي ذهبت إلى الجيوب وإلى الحسابات البنكية في مصارف الغرب، وكذلك عندما سعت من خلال تلك السياسات الخبيثة إلى إغراق تونس في بحار من الديون وعندما أثقلوا كاهل التونسيين بجبال من المديونية حتى أن نصيب كل مواطن تونسي تجاوز العشرة ملايين ذهبت في جيوب اللصوص والمرابين.
إن من كان يريد مساعدة تونس في هذا الظرف العصيب مرحب به لكن مع احترام استقلال وسيادة هذه الدولة... أما من يركب القروض والمساعدات ويريدها مطية للتأثير في سيادتها وفي استقلالية قرارها فإنه سيجد الصدّ لأن «البيع المشروط» في هذه الحالة مرفوض جملة وتفصيلا... ولأننا شعب كبُرَ على مقولة «تجوع الحرة ولا تأكل من ثدييها».
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك