مع الشروق.. أقوى من السجن... ومن السجّان

مع الشروق.. أقوى من السجن... ومن السجّان

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/09/08

«لا بدّ لليل أن ينجلي... ولا بدّ للقيد أن ينكسر» حكمة لهج بها شعريا شاعرنا الكبير أبو القاسم الشابي منذ عقود طويلة. وهي حكمة ستظل خالدة ما بقي هناك سجن وما بقي هناك سجّان... وعلى مرّ التاريخ ظلت الشعوب المضطهدة والمحتلة والمسلوبة الحرية والسيادة تناضل وتبدع في استنباط الأشكال النضالية التي تدمي العدو ـ السجان وتكسر ارادته وتلقنه أبجديات المقاومة إلى أن ترتخي قبضته فيحزم جيوشه وأدوات عسفه وأساطيله ويرحل.
والاحتلال الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين وعلى صدور الشعب الفلسطيني بما هو غاصب ومصهين واحلالي بمعنى أنه يسعى إلى احلال شعب من كل أصقاع الدنيا محلّ شعب هو صاحب الأرض والحق وفقا لمقولة «شعب بلا أرض لأرض بلا شعب» هذا الاحتلال لن يشذ عن القاعدة ولن يفلت من مكنسة الشعب الفلسطيني ومن لعنات التاريخ.
والشعب الفلسطيني الذي يقاوم آلة استعمارية مدججة بالغطرسة وبالسلاح وتسبح في خزائن الغرب، هذ الشعب الذي لقّن جلاديه على امتداد عقود نكبة الاحتلال أروع دروس الصمود والمقاومة.. وجرّعه ذل الهزيمة والانكسار في حرب الارادات التي يخضوها ضده... هذا الشعب يفاجئ عدوه كل يوم بشكل نضالي جديد.. يدوّخ به قبضته الحديدية ويغالط به عسسه وحرسه ويعمي به أدق تكنولوجيات التعسف والمراقبة ويعطيه درسا جديدا على مدارج ابتكار واستنباط الأساليب النضالية الجديدة...
آخر هذه الدروس والمفاجآت والأشكال النضالية تمثلت في عملية هروب الأسرى الستة من سجن «جلبوع» وهو الأشد تحصينا ومراقبة... وقد كانت صفعة دوّخت العدو وأثلجت صدور أبناء فلسطين والشعب العربي والاسلامي بأسره لجهة كونها من أهم المقدمات لانتصار ارادة التحرر والتوق إلى الحرية والانعتاق وانكسار قضبان السجن مهما دعّمها العدو وإرادة السجان مهما شحنها العدو بمقومات الحقد والغطرسة.
الرجال الستة وهم يحفرون بملاعق الطعام بصبر ودأب كبيرين... وبإرادة وبعزيمة أكبر كانوا يدركون وهم يحفرون نفق الهروب أنهم يحفرون قبر الاحتلال... ويحضرون قبرا لغطرسة العدو... والمقاومون الستة كانوا يدركون أنهم يفتحون نوافذ لأنوار الحرية حتى تكتسح قضبان وجدران الزنزانات وتنشر أمل الخلاص والانعتاق... وكما تداعت القضبان وكما انكشف سجن «جلبوع» وبدا في وهن بيت العنكبوت فإن قبضة الاحتلال وقد أدمتها روح المقاومة التي يتسلح بها الشعب الفلسطيني بدأت بدورها ترتخي ايذانا بتداعيها الوشيك... ليسترد شعب الجبارين حريته وسيادته وينعم برفع رايته الوطنية في سماء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
التاريخ علّمنا أن الغزاة والمحتلين من الجزائر إلى فيتنام إلى كل أرض وطأتها أقدام الطغاة والغرباء ملفوظون لا محالة وأن قيودهم منكسرة لا محالة... والشعب الفلسطيني بإصراره على الصمود وبتمسكه بالمقاومة وبإبداعه في استنباط الاشكال النضالية، هذا الشعب منتصر لا محالة مهما مالت كفة القوة لفائدة العدو الصهيوني.. فأيّة قوة هذه التي تهزمها ملاعق الطعام... وأيّة قوة هذه التي تتداعى أمام إرادة المقاومين وتصميمهم على تحطيم الاغلال وكسر قضبان السجن وقبضة السجان.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك