مع الشروق.. متى تختفي لغة العناد... ومنطق الخنادق؟

مع الشروق.. متى تختفي لغة العناد... ومنطق الخنادق؟

تاريخ النشر : 08:00 - 2021/02/03

في وقت تشتعل فيه كل الإشارات الحمراء وتدقّ نواقيس الخطر من كل صوب وحدب يتلهّى القائمون على شؤون البلاد والعباد بخوض صراع إرادات لا هوادة فيه... صراع سرعان ما تحوّل إلى عملية عضّ أصابع الخاسر فيه هو من سيصرخ أولا من شدة الألم... فهل أن حكامنا يعيشون على كوكب آخر أم أن التعطش إلى السلطة قد أعمى البصر والبصائر ومنعهم من استشعار المخاطر المحدقة بالبلاد. وهي كثيرة ومتنوعة.
منذ مجيء حكومة المشيشي كانت الأمور سيئة بفعل انقسام الفريق الحكومي بين وزراء يتبعون رئيس الدولة وآخرين يتبعون رئيس الحكومة. ومع ذلك خلنا أنه  سينتهي مع التحوير الواسع الذي أدخله رئيس الحكومة على فريقه والذي شمل 11 وزيرا بالتمام والكمال. لكن الأحداث والتداعيات سوف تظهر وأن أزمة التحوير قد ولّدت أزمة أخرى. بل معضلة أخرى... معضلة تمثلت في رفض رئيس الدولة قبول بعض الوزراء الذين يتهمهم بشبهة الفساد لأداء اليمين الدستورية أمامه. وهو ما أفضى إلى إرجاء استلام الوزراء الجدد مهامهم وإلى تمديد حالة الفراغ التي تعيش على وقعها الكثير من الوزارات والإدارات والمؤسسات منذ أسابيع طويلة.
وبعيدا عن حروب المواقع والمواقف التي يخوضها الرؤساء الثلاثة وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة وعن مدى وجاهة مواقف مختلف الأطراف، فإن ما يمكن تأكيده حتى الآن هو وجود خاسر أكبر من هذا الصراع العبثي... فالشعب التونسي الذي يكتوي بنيران قضايا وأزمات حارقة والذي عيل صبره وبدأ يعبّر عن غضبه بأساليب عنيفة... هذا الشعب محكوم عليه بمزيد الصبر ومزيد الغرق في مشاكله ومآسيه اليومية في انتظار مآلات صراعات لا معنى لها بين أشخاص يفترض أنه انتخبهم واصطفاهم لخدمته واستأمنهم على آماله وطموحاته وانتظاراته.
ومما يزيد الطين بلة ويفاقم معاناة الناس ويؤجل حل مشاكلهم بفعل حالة الفراغ التي تعيش على وقعها البلاد بين وزراء معزولين وآخرين ممنوعين من استلام مهامهم التطورات الخطيرة التي تشهدها أزمة كورونا التي باتت تحصد الكثير من الأرواح وتوقع آلاف المصابين الجدد يوميا... وبذلك يجد الشعب التونسي نفسه وحيدا في مواجهة هذا الوباء الفتاك في حين يتلهى مسؤولوه الذين يفترض أن يكونوا في الصفوف الأمامية للدفاع عنه بمعارك عبثية وبصراعات لا معنى لها... فكم يجب أن يحصد هذا الفيروس اللعين من آلاف التونسيين وكم يجب أن يفجع من آلاف العائلات في أعزاء عليهم حتى يستعيد السياسيون وعيهم.. وحتى يدركوا أن صراعاتهم بلا معنى وبأن معاركهم لا رابح فيها وبأن لغة الواجب وروح المسؤولية  تدعوهم بل تفرض عليهم أن يقلعوا عنها فورا وبأن يجدوا أرضية ملائمة لتوحيد الجهود عساهم يفلحوا في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
إن السياسة وضعت بهدف تدوير الزوايا وإيجاد الأرضيات المشتركة بين مختلف الفرقاء والسياسة ليست عنادا في كل الأحوال خاصة في ظل دستور مثل دستورنا ونظام سياسي مثل الذي نعتمده واللّذين أفضيا إلى توزيع السلطة وتفريق دم الحكم بين قبائل تسكن قرطاج  وباردو والقصبة.
فمتى تعود لغة العقل ؟ ومتى تختفي لغة العناد  ومنطق الخنادق؟
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك