مع الشروق...هُدنة شاملة لتجاوز الأزمة..

مع الشروق...هُدنة شاملة لتجاوز الأزمة..

تاريخ النشر : 08:30 - 2020/12/04

لا يجب أن تتحول صعوبة الوضعين المالي والاقتصادي للدولة إلى مبرّر تتخفى وراءه الحكومة للتملّص تماما من مسؤولياتها تجاه أصحاب المطالب المختلفة وملازمة الصمت تجاه ما يحصل من تطورات خطيرة. وفي المقابل لا يجب أن تتحول الوضعيات الاجتماعية الصعبة أو ضعف التنمية في الجهات أو عدم الاستجابة لمطالب بعض القطاعات إلى مبرّر لتعطيل الإنتاج أو لحرمان المواطن من الخدمات العمومية ومن المواد الأساسية ومن قضاء مختلف شؤونه.
وإذا كانت الدولة غير قادرة في الوقت الحالي على تلبية مختلف المطالب الاجتماعية والتنموية للمُحتجّين أو مطالب بعض القطاعات بشكل فوري خاصة المطالب ذات الصبغة المالية، فإنها مطالبة في المقابل بالتحرّك على الأقل لطمأنة أصحابها ولتحقيق التهدئة العامة في البلاد. ويكون ذلك من خلال التعبير عن "حسن النوايا" وتقديم وعود جدّية وواقعيّة والالتزام بتلبيتها حينما يتحسن الوضع المالي والاقتصادي في البلاد مع التعهّد ببذل قصارى جهودها للقيام بالإصلاحات وتعبئة موارد مالية إضافية حتى تتمكن من تحقيق تلك الوعود.
وعلى أصحاب المطالب المختلفة أن يكونوا بدورهم على قدر كبير من المسؤولية الوطنية من خلال الامتناع عن تعطيل المصالح الحيوية للدولة، خاصة الإنتاج والخدمات العمومية والإدارية، والامتناع عن الفوضى والتخريب والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة. فكل تعطيل لن يحلّ المشكل. بل سيحرم خزينة الدولة من عائدات مالية إضافية. وسيُفاقم الوضع المالي للدولة نحو الأسوإ ويعطل قدرتها على تلبية المطالب. كما أن تعطيل مصالح المُواطنين لن يحلّ بدوره المشكل. بل سيزيد في حدة الاحتقان الاجتماعي و الغضب الشعبي تجاه أصحاب المطالب، حتى وإن كانت مشروعة.
ويقتضي كل ذلك تضافر جهود مختلف المُتدخّلين لتقريب وجهات النظر بين الحكومة وأصحاب المطالب وذلك عبر تسهيل الحوار والتفاوض الجدي والمسؤول بينهما وتحقيق التوافق بشكل سريع حول المخرجات القادرة على حلحلة كل المشاكل القائمة دون مزيد من التعطيلات غير أن ذلك يتطلب أولا وقبل كل شيء التوافق حول "هدنة اجتماعية" يلتزم فيها المحتجّون بإيقاف تحركاتهم وبالامتناع عن تعطيل الإنتاج ومصالح الدولة والمواطنين. وتلتزم فيها الدولة بالاستجابة في ما بعد للمطالب المشروعة بكل شفافية ووضوح بعيدا عن كل أشكال التسويف والوعود الكاذبة.
ولا يمكن لهذه الهدنة أن تنجح إلا إذا تدخّلت فيها الأطراف الفاعلة في البلاد لمعاضدة جهود الحكومة، على غرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد باعتباره رئيس كل التونسيين واتحاد الشغل بالنظر إلى وزنه الاجتماعي وسلطته المعنوية والاعتبارية في مختلف جهات البلاد وداخل جل القطاعات شأنه شأن اتحاد الصناعة والتجارة وغيرهما من المنظمات الوطنية. ولا ننسى دور الأحزاب الكبرى باعتبار ما لها من امتداد في الجهات وقدرتها المؤثرة في المواطنين، وأيضا بقية الشخصيات الوطنية التي تحظى بالاحترام والتقدير.
فلا مناص اليوم من هدنة اجتماعية تمتد على الأقل طيلة سنة. وتجمع كل الأطراف. ويلتزم فيها الجميع بتعهدات متبادلة. وتُقدّم فيها التنازلات والضمانات وفق المصارحة والنزاهة والشفافية ودون مغالطات أو محاولات انقلاب على ما يقع التوافق حوله... هدنة يلتزم فيها أصحاب المطالب المختلفة بوضع حد للاحتجاجات والاعتصامات التي تعطل الإنتاج وترهق الدولة والمواطن. وتلتزم فيها الحكومة بالاستجابة للانتظارات وفق ما تسمح به ظروف الدولة. أما إذا ما تواصل الوضع على ما هو عليه اليوم فإن الأزمة ستتفاقم وحالة الانتظار ستمتد...
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك