’’قلب الذّيب‘‘ أو عندما تتحوّل الدّراما إلى عبث سياسويّ

’’قلب الذّيب‘‘ أو عندما تتحوّل الدّراما إلى عبث سياسويّ

تاريخ النشر : 23:00 - 2020/05/03

لا أستطيع القول إنّي تابعت ’’الدّراما‘‘ التونسيّة قلب الذّيب بالتّركيز الّذي يمكّنني من بناء موقف موضوعيّ منه، ولكنّ ذلك لا يمنع من إبداء ملاحظتين لا فتتين حوله:
الملاحظة الأولى: إفراغ الصّراع مع المحتلّ الفرنسيّ وقتها من كلّ دلالة وطنيّة تقريبا، والتّركيز على وجوه أخرى كالشّرف على سبيل المثال، وهو الأمر  الّذي جعل من العمل يفتقر إلى العمق خصوصا مع سطحية  المواقف الإنسانيّة ونمطيّة الشّخصيّات وعدم خضوعها إلى منطق التّنامي وهو جوهر كلّ دراما.
الملاحظة الثّانية: الصورة السّلبيّة للمناضل، على نحو مبالغ فيه ومقصود  أحيانا، فالمناضلون في هذا العمل إمّا سطحيّون يفتقرون إلى خلفيّة سياسيّة وطبقية  واضحة، أو تقليديّون لا علاقة قويّة لهم بالمشروع الوطنيّ من جهة كونه مشروعا تحديثيّا، فلا نجد تقريبا حضورا للنّخبة المتنوّرة، فاستثناء مجالس الغناء المرتبطة باللّهو والخمرة، لا نجد حضورا لأطياف الشابّي والطّاهر الحدّاد وغيرهم، وهذا يعني افتقار الحركة الوطنيّة إلى عمق فكريّ وفلسفيّ واجتماعيّ. واللاّفت هو الغياب الكلّي للنقابيّين على الرّغم من دورهم الّذي لا يخفى في الحركة الوطنيّة. وكذلك الصّحافيين ومن كان في طبقتهم.

والأخطر من كلّ هذا هو تخييب النّخبة السياسيّة الحداثيّة وعلى رأسهم بورقيبة أو التّقليل من حضورهم، في مقابل تضخيم الدّور الدّراميّ للمنصف باي، وهذا يخفي انتصارا ضمنيّا للملكيّة وموقفا مبطّنا من صانعي الجمهوريّة.
الخلاصة من هذا هو أنّ قلب الذّيب عمل سطحي يفتقر إلى رؤية فكريّة او سياسيّة ويغلب عليه الفلكلور، ويقدّم صياغة مريبة لتاريخ الحركة الوطنيّة لا ترقى إلى مستوى النّقد أو المراجعة التّاريخيّة. إنه عمل مناسب تماما للمرحلة الّتي نعيش: أي مرحلة العبث بالذّاكرة لكسب المعركة حول الذّاكرة الّتي تتأجّج في تونس ويقودها الإسلاميّون لعجن التّاريخ على نحو يرضي غرورهم السياسيّ ويخدم رهاناتهم الإيديولوجيّة والعمليّة.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

بقلم: غسان الشابي (تونس)
07:00 - 2025/08/04
ربما لا تصح المبالغة في جدوى المؤتمر الدولي الأخير في نيويورك عن «حل الدولتين» وإقامة الدولة الفل
07:00 - 2025/08/04
هكذا يوافق يوم الأحد: هياكل عظمية غزواية وخراب هيكل صهيوني، هكذا يوافق يوم الأحد ما يسمى « ذكرى خ
07:00 - 2025/08/03
من الإنجازات الصحية التي تفتخر بها بلادنا أذكر اليوم المستشفى الجامعي الكبير شارل نيكول الذي يتوا
07:00 - 2025/08/02
هكذا يوافق يوم الأحد: هياكل عظمية غزاوية وخراب هيكل صهيوني، هكذا يوافق يوم الأحد ما يسمى " ذكرى خ
20:15 - 2025/08/01
في زمنٍ يتهاوى فيه كلّ ما تبقّى من القيم، لا بدّ من تسمية الأشياء بأسمائها.
07:00 - 2025/07/31
رغم انني أعرف أغلب شوارع العاصمة التي قدمت اليها وعمري 11 سنة لاجئا من الجنوب (مدنين) لا عفوا (ان
07:00 - 2025/07/31
من خلال مسيرة الأمين السعيدي الأدبية نتبين أن للرواية تقنياتها الخاصة وأسلوبها المتفرد ولغتها الح
22:14 - 2025/07/29