بعد انقسامها وغياب تأثيرها...بسبب الكورونا أحزاب اليسار تسترجع حيويتها

بعد انقسامها وغياب تأثيرها...بسبب الكورونا أحزاب اليسار تسترجع حيويتها

تاريخ النشر : 12:30 - 2020/04/22

أعادت  جائحة كورونا طرح مفاهيم «الدولة الراعية» و«الإقتصاد التضامني» بعد أن اصبح النموذج الليبرالي يطرح عديد الاستفهامات في مستوى نجاعته في فترة الازمات، بما يمثل منفذا حقيقيا لأحزاب اليسار للتموقع من جديد في المشهد السياسي بعد غيابها عن الساحة.


تونس- الشروق
مثّل اليسار رقما هاما في المشهد السياسي التونسي  عبر محطات نضالية مختلفة،  من السرية إلى العلن بعد ثورة 2011 التي مثلت منعطفا حقيقيا لأحزاب هذه العائلة السياسية لترويج طروحاتها واثبات عمقها الاجتماعية  وهو ما نجحت فيه إلى حدّ ما بخطاب يغازل الطبقة الكادحة والفئات المهمشة وفّر لها رصيدا اعتباريا وتأثيرا لا يستهان به في مختلف المحطات والاستحقاقات السياسية  منذ 2011 إلى حدود الانتخابات الماضية، التي شهدت تلاشي اليسار التونسي وغيابه عن الساحة. 
وتكشف القراءات لإدارة أزمة الكورونا وتداعياتها عودة الحديث عن المقاربات اليسارية مفهوما وممارسة بعد إعطاء الأولوية لقضايا الصحة والتعليم والبيئة ودعم الدور الإجتماعي للدولة الراعية لحق المواطن في العيش الكريم على أنقاض الليبيرالية المتوحشة التي أظهرت شططها وقصورها عن إيجاد حلول للوضع الصحي والاقتصادي الراهن دوليا ووطنيا بما يفتح الباب واسعا أمام عودة أحزاب اليسار  للمشهد السياسي شريطة الاستفادة من أخطاء الماضي وتبني خطاب يواكب متطلبات المرحلة الراهنة .


غياب المراجعات الذاتية
شكلت المرحلة السياسية التي تلت ثورة 2011 منعرجا استفادت منه قوى اليسار التونسي في تشكيل حزام  سياسي وازن مكنه من بسط رؤاه وطرح مقارباته في إطار الجبهة الشعبية التي لم تنجح في الحفاظ على تماسكها وتقلّص وزنها السياسي من 17 نائبا في انتخابات 2014 إلى نائب واحد في البرلمان الحالي وهو معطى يرجعه المحلل السياسي هشام الحاجي في تصريحه لــ"الشروق" إلى عجز اليسار عن القيام بالمراجعات الكافية والنقد الذاتي لممارساته السياسية وظل أسير الصراعات الايديولوجية والحسابات الشخصية الضيقة وحرب الزعامات ، داعيا إلى ضخ دماء جديدة صلب قيادات اليسار التونسي قادرة على إعادة ترتيب الأولويات الايديولوجية وإدارة الصراعات السياسية بشكل أفضل بعيدا عن الخطاب النخبوي.
من ناحيته بيّن أمين عام "حركة تونس إلى الأمام" عبيد البريكي في تصريحه لـ"الشروق" أن اليسار التونسي لم يكتسب بعد الجرأة السياسية التي تمكنه من القيام بمراجعة آليات وطرق عمله بعد 2011 رغم الفرص المتتالية التي منحت له ولكنه لم يتخلص من قيود العمل العقائدي على حساب متطلبات العمل السياسي وهو ما  راكم الأخطاء القاتلة التي انتهت بتشتت الجبهة الشعبية والهزيمة الانتخابية التي منّي بها المرشحون الثلاثة من اليسار التونسي للانتخابات الرئاسية الفارطة.


عودة الطروحات اليسارية
تنذر تداعيات الأزمة الوبائية بارتداداتها الصحية والإجتماعية بانقلاب تام في المفاهيم والأسس الاقتصادية بعد أن ثبت قصور الليبيرالية عن الحد من تداعيات الأزمة وبانت الحاجة إلى تكريس مبدأ التضامن الانساني وعودة الدولة إلى ممارسة دورها في توفير الحاجيات الأساسية للمواطن وفق رئيس الحزب الإشتراكي وأحد أهم الزعامات اليسارية التونسية محمد الكيلاني في تصريح لــ"الشروق" الذي اعتبر أن أزمة الكورونا أعادت إلى الواجهة الطروحات الاشتراكية ذات الطابع الإجتماعي التي تراعي الطبقات المتوسطة والكادحة وتنادي بعودة الدور الإجتماعي للدولة التي تتولى السهر على تسيير المجتمع وتمكين رأس المال من الاستثمار مع حماية المصالح العامة للشعب وتضمن الرعاية الصحية ومتطلبات العيش الكريم وتحمي الطبقات الفقيرة  وحقوق العمال. 


 وبيّن الكيلاني أن تونس في حاجة إلى تكريس أكبر لآليات الاقتصاد التضامني باعتبار امكانياتنا المحدودة باعتباره الخيار الأمثل لتوفير الرفاه الاجتماعي داعيا الحكومة إلى الاتفاق مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين والسياسيين حول خيارات اقتصادية وتنموية تمكن من الحد من المديونية والارتهان للقوى الدولية والجهات المانحة.


من ناحيته أشار المنسق العام لحزب القطب رياض بن فضل في تصريح لصحيفتنا أن الأزمة الحالية أعادت اليسار إلى الواجهة بعد أن تبيّنت واقعية الطروحات ونجاعتها في علاقة بشطط الليبيرالية المتوحشة التي قامت على الاستغلال الفاحش للإنسان والبيئة ، داعيا إلى تبنّي سياسات تقوم على إعطاء الأولوية لإصلاح المرفق العام في مختلف القطاعات بعد أن تبيّن دوره المحوري في جهود مكافحة الكورونا على حساب السياسات الداعية إلى مزيد الخوصصة، مشددا على أهمية الضغط باتجاه تأجيل دفع الديون بالاتفاق مع الجهات المانحة وتخصيصها للتنمية وإصلاح المنظومة العمومية.


اليسار يتفاعل مع الكورونا
وأكّد بن فضل في تصريحه إلى أن الأحزاب اليسارية مدعوة اليوم إلى التفكير في مرحلة ما بعد الكورونا وتحضير استراتيجيات للنهوض بالبلاد بعيدا عن كل مظاهر الزعاماتية والصراعات الضيقة مشيرا إلى أن عددا من الأحزاب اليسارية والشخصيات الوطنية قامت مؤخرا بإصدار بيان للرأي العام والحكومة ضمنته عددا من المقترحات لتجاوز الأزمة الحالية ، مبيّنا أن حزب القطب سيعقد ندوة عن بعد في ماي المقبل لبحث الاستراتيجيات الكفيلة بالاستفادة من أزمة الكورونا داعيا كل الأحزاب اليسارية الى اقتناص اللحظة الراهنة والتوحد للعودة ببدائل وخيارات واضحة لإنقاذ البلاد.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

يشارك مجلس نواب الشعب في المؤتمر الخامس لرابطة" برلمانيون من اجل القدس" الذي ينعقد باسطنبول من 26
13:17 - 2024/04/28
دعا الإتحاد العام لطلبة تونس مناضليه إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنا مع الشعب الفلسطيني ومساندةً
07:00 - 2024/04/28
استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، صباح امس السبت 27 أفريل الجاري بقصر قرطاج،  Gennaro Sangiuliano،
07:00 - 2024/04/28
كشفت منظمات دولية عن ارتكاب الاحتلال الاسرائيلي لجرائم مروّعة يندى لها الجبين في غزة تضاف إلى سجل
07:00 - 2024/04/28
عندما  خرج الطلاب في جامعة السوربون  في شهر ماي من عام 1968 لم يكن يدر بخلدهم أنهم يفتتحون ثورة ط
07:00 - 2024/04/28
لليوم ال204على التوالي، واصلت مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية التصدي لقوات الاحتلال المتوغلة في ق
07:00 - 2024/04/28
 تواصل مختلف الصحف العربية والدولية تسليط الضوء على مجريات العدوان الصهيوني على قطاع غزة .
07:00 - 2024/04/28
قال الرئيس قيس سعيّد كل شيء في المكالمة الهاتفية التي أجراها يوم الخميس الماضي مع الرئيس الفرنسي
07:00 - 2024/04/28