مع الشروق.. نظام عالمي يترنّح... ونظام عالمي يتشكّل !

مع الشروق.. نظام عالمي يترنّح... ونظام عالمي يتشكّل !

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/08/17

ما تزال تداعيات زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان تثير المزيد من ردود الفعل الصينية الغاضبة إزاء ما تعدّه انتهاكا أمريكيا لاتفاقية موقعة بين الجانبين وتكرس مبدأ صين واحدة (بنظامين) في علاقة مقاطعة تايوان بالبرّ الصيني.
الواقع ان ذاكرة الادارة الأمريكية ليست قصيرة إلى درجة أنها نسيت هذه الاتفاقية والمبدأ الواضح الذي كرسته. كما أن الادارة الأمريكية ليست غبية لتتخذ مثل هذه الخطوة الخطيرة دون توقع تداعياتها وانعكاساتها على العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية وأبعد من ذلك على الأمن والسلم الدوليين.
الادارة الأمريكية حسبت خطوتها بدقة وحسبت كل تداعياتها.. ولأنها كذلك فقد اتخذتها وصممت عليها في حركة  بدت للبعض مجانية وللبعض الآخر استفزازية بغية تحقيق أهداف عدة وضرب عديد العصافير بحجر واحد..
لعلّ أكبر وأهم هذه العصافير هو اتعاظ الادارة الأمريكية واستخلاصها الدروس والعبر من الحرب الروسية على أوكرانيا. فلقد كانت مؤشرات الغضب الروسي وارهاصات ضيق الكرملين ازاء الحركات المشاغبة للرئيس زيلنسكي حليف أمريكا والغرب ظاهرة للعين المجرّدة.. لكن ومع ذلك فقد استفاد الرئيس بوتين من عنصر المفاجأة وسارع أمام بهتة الجميع إلى الزج بآلته الحربية داخل أوكرانيا لانجاز ما أسماها «عملية خاصة لحماية الدمباس». السيناريو الروسي في أوكرانيا ونجاح الرئيس بوتين في فرض الأمر الواقع والمضي في تنفيذ خطته بات استنساخه هاجسا يؤرق الادارة الأمريكية بالخصوص. وأخشى ما باتت تخشاه هو أن تفتح عيونها في يوم من الأيام لتجد الجيش الصيني يكرّر وفي تايوان التي تعتبرها الصين أرضا صينية (وهي كذلك باعتراف المجتمع الدولي) سيناريو التدخل الروسي في أوكرانيا. ولذلك حاولت الادارة الأمريكية تحريك المياه الراكدة ووضع النوايا الصينية على المحك وافقاد بيكين عنصر المفاجأة فيما لو قرّر مسؤولوها بأن اللحظة الدولية مواتية للانقضاض على جزء من التراب الصيني وإعادته إلى بيت الطاعة الصيني..
وإذا نظرنا إلى زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان في تلك الظروف وبلا مقدمات فإنه يصبح من اليسير فهم خلفياتها واهدافها الخفية. أهداف تضع بيكين أمام خيارين أحلاهما مرّ: اما التمادي في سكة التصعيد وربما الاقدام على خطوة غزو تايوان مع ما سيمثله ذلك من احراج للسلطات الصينية أمام المجتمع الدولي ومن تهديد كبير وخطير للسلم والأمن الدوليين.. لأن مثل هذا التدخل سوف يستدعي تدخل أطراف غربية أخرى كما يحدث مع تسليح أوكرانيا وهو ما قد يجر إلى تصادم ان لم نقل حرب كونية جديدة لا أحد يريد أن يقامر ويغامر باطلاق شرارتها الأولى.. أما الخيار الثاني فقد يكون ممثلا في خلط الأوراق من جديد والدفع بالأوضاع إلى مربّع مفاوضات جديدة حول وضع جديد لمقاطعة تايوان يقطع مع الاتفاق القديم القاضي بأنها أرض صينية..
وايا كانت نهايات هذا الصراع فإنها تمثل فرصة جديدة لتحالف الصين وروسيا لكي يوجه ضربة جديدة ومباشرة للأحادية القطبية ولهيمنة أمريكا على النظام العالمي.. هذه الهيمنة التي تفضل أمريكا في نهاية المطاف خوض حرب عالمية ثالثة على أن ترى صفحتها تطوى إلى غير رجعة..
انها حرب ارادات مدوية وحرب قضم أصابع بين عمالقة العالم والخسارة فيها لمن يتألم أولا.. ولا نظن «التنين» الصيني و«الدب» الروسي اللذين أعلنا التمرّد على غطرسة العم سام يقبلان بغير إرساء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك