مع الشروق ..من «الصبر الاستراتيجي» إلى الرّدع ... ماذا بعد؟

مع الشروق ..من «الصبر الاستراتيجي» إلى الرّدع ... ماذا بعد؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/04/16

وفق مصطلح "طفح الكيل"، اختارت إيران هذه المرة أن تردّ ردّا مباشرا على الكيان الصهيوني بالصواريخ الباليستية والمسيّرات، انتقاما للهجوم الذي استهدف قنصليتها في دمشق الذي كان بمثابة الاعتداء على أراضيها وسيادتها.
المعروف عن طهران ومنذ قيام الثورة الاسلامية وفي صراعها مع الاحتلال، أنّها تتّبع سياسة "الصبر الاستراتيجي" وهي المشتهرة ب"حياكة السجادة العجمية"، بالإضافة الى انشائها أذرعا عسكرية قوية تابعة لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن من أجل "حرب الوكالة".
لكن طهران البلد الصبور والمثابر، نفد صبره أخيرا عندما تجرّأ الاحتلال بكل وقاحة وغطرسة، على الاعتداء على قنصليته في دمشق ممّا تسبّب في استشهاد سبعة من عناصر الحرس الثوري بينهم العميد محمد رضا زاهدي والعميد        محمد هادي حاجي رحيمي.
فهمت إيران أن الأمر وصل الى مرحلة من الإهانة لا يمكن ابتلاعها و تتطلّب تدخّلها هي المباشر وليس وكلائها، وأنّه يجب إفهام الاحتلال أن صبرها ليس ضعفا ولا جبنا ولا هروبا من المواجهة، لذلك كان الردّ وفق "قماشة" الفعل ذاته حيث انطلق الانتقام من أراضي إيرانية وبأيادي ايرانية وضدّ أهداف في العمق الصهيوني.
وهي بذلك حوّلت سلسلة الاهانات الطويلة، التي وجهها الاحتلال إليها عبر ضرب مصالحها في العراق وسوريا مرارا وتكرارا و استهداف علمائها ومنشئاتها العسكرية في إيران نفسها وأخيرا قنصليتها في دمشق، إلى فرصة  وذريعة  تنهي بها سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي تآكلت وتبدأ بها سياسة الرّدع وفق الضربة بالضربة.
صحيح أن نتيجة الضربة العسكرية الايرانية كانت دون المأمول ولم تخلّف أضرارا بشرية أو مادية، لكن الرسالة الأصلية وصلت وهي أنها قادرة على الوصول الى العمق الصهيوني بأقل مجهود عسكري رغم المظلة الأطلسية.
والأهم من ذلك أنّه وللمرة الأولى منذ خمسة وأربعين عاماً، تدخل طهران على خط النار مباشرة مع الكيان المحتل، وللمرة الأولى منذ قيامها قبل أكثر من خمسة وسبعين عاماً، يتعرّض الاحتلال لهذا الوابل من الطيران المسيّر والصواريخ المنطلقة من دولة إقليمية وليس من فصيل مقاوم.
بالإضافة إلى ذلك فإن الانتقام الايراني، أفقد الكيان الصهيوني ما تبقى من صورته الردعية وكسر هيبته وتفاخره بالتكنولوجيا العسكرية وبالاعتماد على نفسه، وأخرجه في صورة المحميّة الأمريكية الغربية، وهو دون ذلك "أوهن من بيت العنكبوت".
لا شكّ أن نتنياهو وكيانه المحتل سيسعيان إلى تحويل الأمر إلى فرصة، فرصة رصّ الصفوف داخليا و تهدئة غضب الشارع ضدّه والتغطية على محاكمته وعلى فشله مرّتين في غزة، كما سيسعى إلى التغطية على حرب الإبادة على غزة وعلى عزلة كيانه دوليا وخسارته معركة الرأي العام الغربي والى كسب التعاطف والتضامن مجدّدا.
لكنّ هذا الأمر منوط بسلوك نتنياهو نفسه، وما سيقرّره الكيان المحتل من "ردّ على الردّ" والأهم هو دور واشنطن في كبح جماح الثور المخضّب بالسهام، بحيث لا تصل الأمور الى مرحلة الضربة بالضربة التي تتحوّل الى حرب اقليمية لا يريدها الجميع.
الأيام والأسابيع المقبلة ستكون مفصلية في ترسيم قواعد الاشتباك بين الكيان الصهيوني وإيران من جهة، وفي رسم مصير حرب الإبادة في غزة وفي مدى إشعال حرب اقليمية من عدمه، وهذا كلّه بيد اللاعب الأبرز لحد الآن في الشرق الأوسط الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن في الأحوال المواجهة بين الاحتلال وطهران أصبحت ما قبل وما بعد 14 أفريل، والمنطقة غادرت مربّعات "الصبر الاستراتيجي" و"قواعد حروب الوكالة"، وبات الصراع محتدماً، مكشوفاً ومباشراً.
بدرالدّين السّيّاري

تعليقات الفيسبوك