مع الشروق ..معركة المصير العربي

مع الشروق ..معركة المصير العربي

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/01/09

يُجسّد مشروع "إسرائيل الكبرى" حلما توسّعيا صهيونيا بدأ يتبلور منذ تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948، مستندًا إلى روايات دينية مزيفة وأجندات استعمارية بغيضة دعمها الغرب بقوة، حيث يتجاوز هذا المشروع حدود فلسطين التاريخية ليطال أراضي الدول العربية ، وهو ما تؤكده التحركات الإسرائيلية الأخيرة، بما في ذلك نشر خرائط مزعومة على حسابات رسمية إسرائيلية تُظهر "إسرائيل التاريخية" الموهومة متوسعة لتشمل أجزاءً من الأراضي الفلسطينية و الأردن و سوريا و لبنان.
و يعود مفهوم "إسرائيل الكبرى" إلى النصوص الصهيونية التي أقرّت بأن حدود الكيان تمتد "من النيل إلى الفرات"، وهو ما ورد في كتابات منظّري الحركة الصهيونية مثل تيودور هرتزل،  ومنذ إعلان قيام الكيان المحتل لم تتوقف محاولات الاستيطان والتمدد الجغرافي، حيث تلازم المشروع الاستيطاني مع الدعم العسكري والسياسي الغربي.
و لا يُعدّ هذا المشروع مجرد خريطة منشورة بل إيديولوجيا تهدف إلى السيطرة على الموارد الاستراتيجية للمنطقة، وتفكيك الوحدة العربية، وإضعاف أي مقاومة تهدد الهيمنة الإسرائيلية.
و قد شهد العالم العربي في السنوات الأخيرة، موجة من التطبيع مع الكيان الصهيوني تحت شعارات زائفة  لا تخفي باطن الأشياء باعتبار أن هذه الاتفاقيات المشؤومة تصبّ في مصلحة المشروع الإسرائيلي التوسعي، إذ أن إسرائيل التي نجحت في اختراق بعض العواصم العربية، تعمل على توظيف هذه العلاقات لتوسيع نفوذها الجغرافي والاقتصادي، في حين تظل القضية الفلسطينية على الهامش.
و لطالما حظيت إسرائيل بدعم القوى الاستعمارية الكبرى، بدءًا من وعد بلفور الذي مهّد لاحتلال فلسطين وصولا إلى الدعم الغربي غير المحدود، و لم يتوقف هذا الدعم عند المساعدات العسكرية أو الاقتصادية، بل شمل حماية إسرائيل في المحافل الدولية من أي محاسبة رغم انتهاكها بشكل يومي القوانين الدولية و دوسها على كل التشريعات و أبسط مبادئ حقوق الإنسان دون خشية من العواقب لأنها تعرف أن القوى الكبرى ستظل توفر لها الحماية. 
و لعلّ ما يحتاجه العالم العربي اليوم ليس إدانة مثل هذه التحركات الصهيونية التي تمهّد للمشروع الموهوم الذي يريد تغيير خارطة الشرق الأوسط، بل ضبط  خطة استراتيجية واضحة لمواجهة هذه التهديدات تضمن وحدة الصف العربي  بتجاوز الخلافات بين الدول العربية والتركيز على التحديات المشتركة، وعلى رأسها التصدي للمشروع الإسرائيلي، و استثمار الديبلوماسية الدولية من خلال توظيف ثقلهم السياسي والاقتصادي للضغط على القوى الكبرى لمراجعة دعمها غير المشروط لإسرائيل، وتعزيز الدعم للقضية الفلسطينية حيث لا يمكن مواجهة مشروع إسرائيل الكبرى دون دعم حقيقي ومتكامل للقضية الفلسطينية، باعتبارها جوهر الصراع.
و رغم موجة التطبيع، يظل الشارع العربي رافضًا للكيان الصهيوني ولأي محاولات لطمس حقوق الفلسطينيين، فالشعوب العربية، التي تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية، تدرك أن التطبيع ليس إلا أداة لخدمة المشروع الإسرائيلي التوسعي، وهي مستعدة لمقاومته بكل الطرق.
و من الثابت أن مشروع "إسرائيل الكبرى" يشكّل تهديدًا وجوديًا لكل الدول العربية، وليس فقط لفلسطين، وبينما يعمل الكيان الغاصب على فرض هذا المشروع خطوة بخطوة، فإنّ الرد العربي يجب أن يكون بمستوى التحدي، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والانقسامات الداخلية، فالتاريخ  لن يرحم من يتخاذل في الدفاع عن حقوق الأمة، ومصير المنطقة بأسرها يعتمد على قدرة العرب على مواجهة هذا المشروع التوسّعي الذي يهدف إلى ابتلاع هويتهم وأراضيهم وسيادتهم.
هاشم بوعزيز

تعليقات الفيسبوك