مع الشروق.. مصالح تونس بين الغرب والشرق

مع الشروق.. مصالح تونس بين الغرب والشرق

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/03/30

العلاقات الدولية تقوم على المصالح فقط ، ولا دخل فيها لمشاعر الأخوّة أو الصداقة . وبالتالي لا يمكن لأي دولة ان تنتظر هبة أو مساعدة من دولة أخرى لوجه الله ، أو باسم الجوار أو الانتماء القومي أو الديني ....
لا أحد يقبل أن يعطيك دولارا واحدا لينقذك من أزمتك ما دامت لا مصلحة، مباشرة أو غير مباشرة ، له فيها اليوم أو غدا . 
هذا ما ينطبق على الهبّة الأوروبية الأخيرة، التي تقودها إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة،  لإبعاد تونس من شفا الانهيار الاقتصادي . 
ليس هناك شفقة أو إنسانية تفجّرَت فجأة لدى الشريك التقليدي أو التاريخي الذي كان سببا ، ولو غير مباشر ، في وصول بلادنا الى هذه الوضعية الصعبة ، فهم كانوا عرّابي جلب الاسلام السياسي الى الحكم ثم خلق أكذوبة التعايش التي أكملت تعطيل و تدمير أجهزة الدولة وانتشار الانفلات العام وغياب المحاسبة و الاحساس بأن القانون لم يعد يطبّق على الجميع . 
لوبيات الغرب الفاسدة هي من أغرقت الاقتصاد الوطني وأرست منوالا جديدا يقوم على الريع ويقصي كل إمكانيات الانتاج والتطوير . 
قيادات الغرب التي تتحرّك في كل اتجاه بحثا عن تمويلات كبيرة لتونس وشعبها ولتسهيل ايجاد اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي ، تفعل لصالح شعوبها وأمنها القومي ، وهي محقة في ذلك ، فهي تعرف أن كل ما تسوء الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية  في تونس ، تصبح شواطئها منطلقا لغزوات المهاجرين غير النظاميين ، بمن ذلك الارهابيون والمتشددون ، الذين يمكن أن يهددوا قيم مجتمعاتهم وأمنهم . 
ويعرف الأوروبيون ، الذين اكتوت شعوبهم بتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية ، وتراجعت مصالحهم ونفوذهم في شمال افريقيا وكامل القارة ، أنهم اذا تأخروا أكثر عن انقاذ تونس فإن الصينيين والروس وكل خصوم الغرب سيأتون لإنقاذ تونس ، ليس حبًّا فيها هم أيضا ، بل لدعم حضورهم في المنطقة واقصاء الغرب منها نهائيا في معركة جيو استراتيجية أصبحت تلعب على المكشوف . 
الغرب اليوم يقايض ويحاول ان يبتز تونس بدعوى انقاذها وكذلك يفعل الصينيون والجبهة الشرقية ، لكن قادتنا الى حد الآن لم يفصحوا حتى عن ملامح توجههم الجديد وكيفية ملاعبة القوتين العظميين والاستفادة من حربهما المستعرَة منذ فترة . 
وللتذكير فقط فإن دراسات رسمية أمريكية وتابعة للبنك الدولي أكدت ان الصين وحدها انفقت خلال السنوات الأخيرة 240 مليار دولار لمساعدة أو انقاذ دول شبيهة بتونس ، منها مصر وباكستان والارجنتين وسيريلانكا .... وانها بالتالي قد تنقض على الفرصة وتصل قبل الغرب الذي يحاول منذ سنوات عبر الإنفاق على الجمعيات ومختلف مكونات المجتمع المدني في تونس لإرساء نموذجه ومنواله التنموي دون أن يحصد شيئا . 
واذا كانت محاور الغرب و الشرق تبحث عن مصالحها قبل اي شيء اخر فإنه آن الاوان أن نعدّل بوصلتنا ونعرف على " أي رجل نرقص " كما يقول المثل الفرنسي ، ونحسن اختيار شريكنا دون الخضوع الى الشروط والإملاءات ودون قبول التدخل في شؤوننا أو المسّ من قرارنا الوطني وسيادتنا . 
‏نجم الدين العكاري 
 

تعليقات الفيسبوك