مع الشروق ..مجلــس «الصَّمــت» الدُّولـي

مع الشروق ..مجلــس «الصَّمــت» الدُّولـي

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/12/08

ما كان لأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أن "ينفجر" بتلك اللهجة الحادة في وجه مجلس الأمن الدولي، لو كان هذا الأخير مُتحمّلا لكامل مسؤوليته الأمنية والإنسانية والقانونية تجاه ما يحصل في غزة. فقد بدا واضحا أن صبر المسؤول الأممي الأول قد نفد، مثلما نفد صبر شق واسع من العالم تجاه ما يحصل من مظالم وإجرام صهيوني في حق غزة وفي حق فلسطين وشعبها، وأن رائحة شبهة التواطؤ مع الكيان المحتل والتعاطي بسياسة المكيالين مع القضية الفلسطينية قد فاحت من داخل أروقة "مجلس الصمت".
لا يُعير مجلس الأمن الدولي اهتماما كبيرا لحرب الكيان الصهيوني على غزة. وهو ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة لا يتمالك نفسه ويحذره بلهجة شديدة من "انهيار كامل وشيك للنظام العام في قطاع غزة"، مشددا على وجوب إعلان وقف إنساني لإطلاق النار. وقد استند غوتيريش في ذلك، للمرة الأولى منذ توليه الأمانة العامة في 2017، إلى المادة 99 من ميثاق المنظمة الأممية التي تتيح لرئيسها "لفت انتباه المجلس إلى ملف يمكن أن يعرض حفظ السلام والأمن الدوليين للخطر" داعيا أعضاء مجلس الأمن إلى الضغط لتجنب حدوث كارثة إنسانية قد تكون لها تبعات لا رجعة فيها على الفلسطينيين وعلى السلام والأمن في المنطقة.
تحرك قوي من أمين عام الأمم المتحدة يقيم الدليل القاطع على ما أصبح يحوم حول مجلس الأمن الدولي من شبهات صمت مُتعمّد تجاه وحشية الكيان المحتل وتجاه الجرائم المرتكبة في حق المدنيين الفلسطينيين وشبهات اتباع سياسة المكيالين تجاه القضايا الدولية. فمنذ انطلاق الحرب مطلع أكتوبر، وعلى امتداد 5 أسابيع، رفض مجلس الأمن الدولي 4 مشاريع قرارات تتعلق بما يجري في غزة، ليخرج عن صمته في منتصف نوفمبر ويتبنى قرارا – ظل يتيما إلى حدّ الآن-  دعا فيه إلى هُدن وممرات للمساعدات الإنسانية في قطاع غزة. وبعد ذلك عاد إلى "سُباته" ولم يمارس مهمته الرئيسية التي أوكلها له ميثاق الأمم المتحدة وهي صون السلم والأمن الدوليين، إما من خلال دعوة أطراف النزاع إلى التسوية بالوسائل السلمية أو باللجوء إلى فرض عقوبات أو حتى السماح باستخدام القوة ..
وبالاطلاع على جدول أعمال المجلس طوال شهر نوفمبر وخلال شهر ديسمبر، يمكن ملاحظة أن نشاطه يشمل مختلف القضايا الدائرة في كل بقاع العالم، من الصومال إلى السودان وليبيا وهايتي واليمن وسوريا واوكرانيا وإيران.. في حين غابت غزة تقريبا عن جدول الأعمال وحتى إن حضرت يكون ذلك فقط لمجرد النقاش لا غير دون السعي لاتخاذ قرار حاسم يدين الكيان المحتل أو على الأقل يحمله مسؤولية جرائمه ويدعوه لوقف حرب الإبادة التي يمارسها.. فهو يتحرك ويشجُب ويُندد ويتدخل كلما تعلق الأمر بملف تُشتم منه رائحة مصلحة غربية، لكنه صمت هذه المرة عندما تعلق الأمر بالوضع الكارثي في غزة.
اليوم، وبعد ان قدمت مجموعة الدول العربية في منظمة الأمم المتحدة مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، على ان يقع عرضه على أنظار المجلس اليوم الجمعة، سيكون "مجلس الصمت الدولي" أمام امتحان عسير، فإما أنه سيتحمل مسؤوليته ويثبت عدله في التعاطي مع حرب الإبادة الصهيونية على غزة ويتبنى القرار أو أنه سيكشف للعالم عن وجهه الحقيقي. وحتى في صورة اعتماد هذا القرار فإن المخاوف ستكون قائمة أيضا من مواصلة إسرائيل تعنتها وعدم التزامها بقرارات المجلس مثلما حصل ذلك سابقا أكثر من مرة مع مختلف القرارات المتخذة منذ سنة 1948 إلى الآن. وعندئذ لن يسلم العالم بأسره، وفي مقدمته القوى الداعمة لإسرائيل، من المخاطر التي حذّر منها غوتيريش.
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك