مع الشروق.. لا خيار... غير الحوار

مع الشروق.. لا خيار... غير الحوار

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/11/06

لا تُوجد اليوم بوادر انفراج لما تمرُّ به البلاد من أزمة سياسية واقتصادية ومالية خانقة ألقت بظلالها على المناخ العام وتكاد تُعطّل نهائيا المصالح الحيوية للدولة. فالتململ يسود علاقات الأطراف السياسية الفاعلة جراء تعطّل لغة الحوار بينها، والانكماش يسود الحركية الاقتصادية بسبب حالة المخاوف والشكوك لدى الفاعلين الاقتصاديين، والفوضى وخرق القانون وتحدي الدّولة والقانون أصبحت مظاهر سائدة بشكل متسارع في المجتمع فضلا عن كابوس "الإفلاس" الذي بات قريبا جدّا من الدولة.
وينضاف كل ما تقدّم إلى نظام سياسي كارثي ثبت مع تقدم السنوات وإلى حدّ اليوم فشله وتسبّبه في هدم أركان الدّولة، ودستور سيء لم تجن منه البلاد غير التعطيلات والصّراعات، ونظام انتخابي لم يُكرّس غير التّشتّت السّياسي والاحتقان المتواصل بين السياسيين وتسابقهم نحو اقتسام "الغنائم". وكل ذلك جعل الاهتمام بالمصلحة الوطنية وبمصالح الشعب طيلة الأعوام السابقة وإلى حدّ اليوم آخر اهتمامات كل من يصعد إلى كرسي الحكم مقابل الاهتمام بخدمة المصالح السياسية والحزبية والشخصية الضيقة.
وتسهل معاينة كل ذلك اليوم من خلال إلقاء نظرة تقييمية على أداء مختلف "رؤوس" السلطة. فلا رئيس الجمهورية تمكن، بفضل ما يتيحه له موقعه، من تحقيق التهدئة والتجميع والتوافق، ولا رئيس الحكومة (السابق والحالي) نجح بفضل صلاحياته الواسعة في فرض حوكمة حقيقية للبلاد تقطع مع كل مظاهر التهديم والتخريب وتكرس دولة قوية وفاعلة وتحقق النمو الاقتصادي والاجتماعي، ولا البرلمان، برئيسه ونوابه، نجح في أن يكون سندا حقيقيا للدولة لتحقيق التنمية والازدهار عبر المبادرات والمشاريع والأفكار..
وأمام حالة الانسداد التي كرّسها النظام السياسي والدستور وغذتها هشاشة الدولة وضعفها، لم يبق اليوم غير ضرورة استعادة كل الأطراف رشدها والالتفاف حول حوار وطني شامل يحصل خلاله في مرحلة أولى توافق حول تشخيص المشاكل والصعوبات والمخاطر، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ثم في مرحلة ثانية توافق حول الحلول. ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالتزام كل الأطراف بتقديم تنازلات وبالتخلي عن الحسابات الضيقة وبوضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار وبتقديم حلول وأفكار تحلّ الأزمات بشكل جذري ونهائي وتعيد إلى الدولة قوّتها وتُكرّس تطبيق القانون بصرامة . وقد تعددت في الفترة الأخيرة المبادرات الداعية لحوار وطني شامل وسط إجماع لدى مختلف الأطراف بأنه لا مخرج للبلاد من هذه الأزمة الخانقة دونه. وما يبعث على الارتياح في هذه المبادرات هو انخراط أطراف فاعلة فيه تنوعت بين أحزاب كبرى وكتل برلمانية ومنظمات وطنية على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل.
ويبقى الدور الأهم لرئيس الجمهورية قيس سعيد الذي عبر عن ترحيبه بمثل هذه المبادرات لكنه لا يجب أن يكتفي بـ"الترحيب" بل عليه أن يكون طرفا فاعلا يتحرّك هنا وهناك ويحث بقية الأطراف على الانخراط في هذه المبادرة وأن يكون عنصر تجميع لا تفريق، باعتبار المكانة الاعتبارية الهامة التي منحها إياه الدستور (رئيس كل التونسيين). وهو الدور الذي يجب أن يلعبه أيضا رئيس البرلمان راشد الغنوشي من خلال حثّ المؤسسة البرلمانية على المساهمة في إنجاح الحوار وأيضا رئيس الحكومة هشام المشيشي من خلال العمل في ما بعد على تسهيل تنفيذ وتكريس مخرجات الحوار.
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك