مع الشروق .. لا تعويل على الذات بمؤسسات عُمومية «فاشلة وخاسرة»

مع الشروق .. لا تعويل على الذات بمؤسسات عُمومية «فاشلة وخاسرة»

تاريخ النشر : 09:11 - 2024/02/02

من يوم لآخر، يتضح أن ما تمر به عديد المؤسسات العمومية من صعوبات مالية ومشاكل اجتماعية وغيرها، ما كان له أن يحصل لو كانت خاضعة لحوكمة رشيدة وحسن تصرف ومُحصّنة تجاه الفساد. غير ان ذلك لم يحصل طوال الأعوام الماضية وخاصة منذ 2011 عندما استغل البعض ضعف الدولة وغياب الرقابة وتوفر الحماية السياسية من الأطراف التي تداولت على الحكم، "للعبث" بهذه المؤسسات وبمقدراتها ولإتيان ممارسات مشبوهة داخلها خدمة لمصالح شخصية وعائلية وسياسية وحزبية وفئوية. وهو ما جعلها اليوم في وضعية "معاناة" مستمرة منذ سنوات وغير قادرة على النهوض مجددا..
195 مؤسسة ومنشأة عمومية، وفق القائمة الرسمية لرئاسة الحكومة، تختلف تسمياتها الرسمية بين ودواوين وصناديق ومعاهد ومراكز ووكالات ومستشفيات وشركات نقل وأقطاب وبنوك وشركات تنشط في مختلف المجالات. وإذا كان عدد هام من هذه المؤسسات والمنشآت العمومية يُحقق أرباحا تجارية والبعض الآخر يقوم بالدور المنوط بعهدته على الوجه الأكمل ويحقق توازناته المالية دون تسجيل خسائر كبرى، فإن شقا هاما منها ظل على امتداد سنوات دون المستوى المطلوب منه سواء من حيث الأداء او من حيث التوازنات المالية وكأنها تعمل وتزاول نشاطها فقط من أجل مراكمة الخسائر لا غير...
وفي السنوات الأخيرة انزلق بعض هذه المؤسسات العمومية نحو خسائر مالية فادحة واضطرت الدولة أكثر من مرة للتدخل وضخ اعتمادات مالية من أموال المجموعة الوطنية ودافعي الضرائب في ميزانياتها للمحافظة عليها وعلى مواطن الشغل فيها ولتمكينها من الإيفاء بتعهداتها المالية الداخلية والخارجية تجاه المزودين، على امل ان يتحسن أداؤها وإن تسترجع توازنها المالي. غير أن ذلك لم يحصل، وسط تساؤلات حول مصير تلك الاعتمادات التي كانت الغاية منها الإصلاح لكن يبدو ان مصيرها كان إما الامتيازات او النفقات غير الرشيدة أو الفساد بطرق مختلفة..
وكشفت الزيارات التي أدّاها رئيس الجمهورية الى عديد هذه المؤسسات، آخرها مصنع الورق وعجين الحلفاء بالقصرين، وقبلها مصنع الفولاذ والبنك الفلاحي والديوان التونسي للتجارة وغيرها، أن حجم التقصير وسوء الحوكمة وضعف التصرف والفساد داخلها كبير، وانه لا خيار إلا بإيقاف النزيف أولا ثم الإصلاح. ويتطلب إيقاف النزيف مراجعات جذرية على مستوى التسيير ومحاسبة كل من اتضح تورطه في ممارسات مشبوهة ليكون عبرة لمن سيخلفه. أما الإصلاح فيتطلب بدوره خططا واستراتيجيات عملية وواقعية يقع تنفيذها بشكل عاجل تحت رقابة الدولة، ومراجعة شاملة لأساليب العمل داخل هذه المؤسسات ورقمنتها وفرض تحسين المردودية والإنتاجية على العاملين فيها عبر عدة آليات.
ومثلما هو الحال بالنسبة لعديد المؤسسات العمومية التي تحقق أرقاما مالية هامة ومحترمة وتمكنت من تحسين وتطوير أداها وأصبحت تساند الخزينة العامة للدولة، والامثلة في هذا المجال عديدة، فإن كل المؤسسات العمومية بإمكانها أن تحقق نتائج مماثلة وتوفر أرباحا لمعاضدة ميزانية الدولة، أو على الأقل تقوم بالدور الوطني المطلوب منها لا سيما في المجالات الاجتماعية والتنموية. فلا شيء يمنع شركات النقل والمؤسسات العمومية للصحة وشركات الماء والكهرباء والتطهير والدواوين التنموية والصناديق الاجتماعية والوكالات المختلفة وغيرها من المؤسسات العمومية من ذلك إلا إذا تواصل داخلها سوء التصرف والفساد وغابت عنها الحوكمة الرشيدة..
وإذا كانت للدولة رغبة حقيقية في التوجه نحو التعويل على الذات وتفادي التداين الخارجي والداخلي، فإنه لا خيار أمامها غير التعجيل بإنقاذ هذه المؤسسات العمومية ووضع مسؤوليها أمام حتمية الإصلاح واسترجاع التوازنات المالية والقيام بالدور الموكول لها في مختلف المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية والمالية.. أما إذا ما تواصل الحال على ما هو عليه من ضعف حوكمة فإن هذه المؤسسات ستواصل استنزاف أموال المجموعة الوطنية ولن تقدر الدولة على تحقيق التعويل على الذات في أي مجال وستضطر للعودة إلى التعويل على الحلول القادمة من الخارج وهو ما ستكون تكلفته باهظة..  
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك