مع الشروق.. كرة القدم تجمعنا... كرة القدم توحّدنا

مع الشروق.. كرة القدم تجمعنا... كرة القدم توحّدنا

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/11/24

ما عجز عنه الساسة والسياسيون.. وما عجزت عنه الأحزاب والزعماء وقادة الدول العربية.. ما عجز عنه كل هؤلاء أنجزته كرة القدم حين وحّدت الشعوب العربية والجماهير العربية الشغوفة بحب الرياضة الشعبية الأولى في لوحة رائعة تداخلت فيها الرايات الوطنية واختلطت الألوان وتوحدت الحناجر والقلوب لتهتف تشجيعا لكل المنتخبات العربية المشاركة في مونديال الدوحة تونس والمملكة العربية السعودية ودولة قطر والمملكة المغربية.
فلقد جاء على الشعوب العربية زمن تفرقت فيه الرايات وتباعدت الصفوف وتعدّدت الميولات والرغبات وحتى القناعات. وتفرّقت الشعوب داخل أوطانها وتباعدت في رقعة الوطن العربي الكبير. ولو نظرنا إلى كل شعب عربي على حدة لوجدناه غارقا في خلافاته واختلافاته ومنصرفا إلى قضايا هامشية لا تزيد إلا في تنافر المجتمعات.. تنافر يصل أحيانا حدّ العداء في ما بين الأحزاب والجهات والعروش والقبائل.. حيث برزت النعرات الجهوية والعرقية وشقت صفوف المجتمعات العربية لترسم لنا دولا هشة ضعيفة لا وزن لها على الساحة الدولية.. أما لو نظرنا إلى الشعوب المنتمية إلى الوطن العربي الكبير فسنجد دولا متناثرة متنافرة لا تجمع بينها إلا الجغرافيا واللغة والأديان.. أما الوشائج فغائبة وأما البناء المشترك فمفقود وأما توحيد الجهود والطاقات لصياغة المستقبل المشترك والمصير الواحد مثل خلق اللّه في باقي التكتلات الاقليمية وأقربها إلينا دول الاتحاد الأوروبي فهو غائب.. في أوروبا حيث تبنى المؤسسات المشتركة ويجتهد السياسيون والخبراء في التأسيس لما يجمع ويوحّد الجهود والطاقات لتكون الكلمة الأوروبية مسموعة أكثر على الساحة الدولية وليتمكن الاتحاد كهيكل من اسماع صوت المواطن الأوروبي ومن الدفاع عن مصالحه على امتداد رقعة الجغرافيا الأوروبية.
ولئن حاول بعض القادة العرب وبعض الدول العربية في ستينات وسبعينات القرن الماضي رفع راية العروبة وتوحيد كلمة العرب وصفوفهم، فإن مثل هذه الأصوات قد اندثرت نهائيا وباتت وحدة أوطاننا مهددة وباتت دول عربية مهددة بالانشطار تحت وطأة سيف «التقسيم وإعادة التشكيل» الذي رفعه في وجوهنا رعاة ودعاة ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد».. لتنطلق مخططات جهنمية تعتمد اشعال كل النعرات والفتن الطائفية وتتخذها وقودا لتفجير دول عربية من الداخل وبأياد عربية مستغلة عوامل جهوية وعشائرية ونعرات مذهبية وعرقية..
كل هذا الواقع البائس تبخّر مع انطلاق فعاليات مونديال قطر، حيث استعادت الشعوب العربية نبضها واستعادت الجماهير العربية زمام المبادرة لتذكر الجميع بأن المشاركة العربية في المونديال تتكلّم عربيا وبأن الرايات والألوان تختفي حين تتكلّم الوشائج العربية وحين يتكلّم النبض العربي..
وبالفعل، فقد رسمت هذه الجماهير في الملاعب والساحات القطرية أروع لوحات امتزجت فيها الألوان والرايات والمشاعر والوشائج العربية.. وهتفت فيها الحناجر العربية  للمنتخبات العربية بغض النظر عن الانتماءات الضيّقة.. وبدا بالفعل أن الكرة أنجزت ما عجزت عنه السياسة.. ونجحت حيث أخفق الساسة.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك