مع الشروق .. في استقلاليّة القرار الاقتصادي

مع الشروق .. في استقلاليّة القرار الاقتصادي

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/05/28

عاد موضوع استقلالية البنك المركزي التونسي إلى الواجهة، بعد أن لجأت الحكومة إلى الاقتراض من البنوك الخاصة، بالعملتين المحلية و الصعبة. و الحقيقة أن هذا القرار  تطالب به عدة أطراف سياسية، وقدمت مقترحات في هذا الشأن و تعتبر أن استقلالية البنك المركزي هو قرار جاء لخدمة أغراض اجندة الربيع العربي  التي كانت كل مفاعيلها تصب في تدمير الدولة الوطنية. 
و يبدو أنّ استقلالية البنك المركزي هو إجراء ورد في دستور 2014، و البلاد تسير الآن بدستور جديد، لا ينص على هذا الأمر. وعليه فإن وجود هذه المؤسسة الاستراتيجية خارج الأطر الدستورية بات يطرح أكثر من إشكال، في ظرفية اقتصادية غير مسبوقة بالنسبة لتونس.  صحيح أن الأهداف التي وجد من اجلها اجراء استقلالية البنك المركزي، هي جيدة و صحية للاقتصاد،ة من قبلي دعم الشفافية و محاربة تبييض الأموال، ولكن هل نهضت هذه المؤسسة بهذا الدور خلال السنوات الماضية. ألم تتسبب إقالة مصطفى كمال النابلي عام 2012 و تنصيب الشاذلي العياري مكانه ثم إقالة العياري من قبل يوسف الشاهد الكثير من التساؤلات  في ذلك الوقت، واهم ما طرح يتعلق بالاستقلالية الحقيقية لهذه المؤسسة السيادية، بما يعني أن تنصيب المحافظ و إقالته كان في حد ذاته خدمة لولاءات سياسية يدركها الجميع؟ ووهنا يطرح السؤال الأهم إذا نسف مبدأ الاستقلالية من الجذور، فكيف له أن يحارب التهرب وتبييض الأموال وغيرها من الآفات التي نخرت الاقتصاد التونسي؟ 
وللتذكير فإنّ إقالة الشاذلي العياري وقبل تعيين مروان العباسي، كان النواب يطالبون بضرورة المحاسبة، خاصة بعد أن وُضعت تونس في ذلك الوقت في القائمة السوداء للدول الراعية لتمويل الإرهاب و تبييض الأموال. ومثل هذه القرائن تعطي مشروعية إعادة طرح التساؤل من جديد حول الغاية من اتباع سياسة استقلالية البنك المركزي؟ فإذا كانت المؤسسة غير مستقلة فعليا على المستوى السياسي عن الحكومة و هي خاضعة لمنطق الولاءات، وإذا كانت سياساتها قد أدت في وقت من الأوقات إلى توظيفها في "خدمات مشبوهة " قادت البلاد إلى وضعها في القائمة السوداء. فهل بقي لها ما يوجب بقاءها في وضعية الاستقلالية؟ إنّ أصحاب هذه النظرة يعتقدون أن مهمة "الاستقلالية" هي في مزيد إغراق البلد في المديونية من خلال منع البنك من الدعم المباشر للحكومة حتى في أحلك الظروف. و يستند هؤلاء إلى أنّ هناك عدة دول لا تطبق مبدأ استقلالية البنك المركزي، ومع ذلك فإنها دول ذات اقتصاديات قوية، بل انهم يرون أن الدول الغربية نفسها لم تلجأ إلى استقلالية بنوكها المركزية إلا بعد أن عاشت طفرات اقتصادية تجعلها آمنة  على مستقبلها الاقتصادي ، وهذا ما لم يتوفر ولم يتوفر في الحالة التونسية. 
ولكن التسرع أيضا في الدعوة إلى إلغاء استقلالية البنك المركزي قد يقود إلى نتائج  غير محمودة، و الحديث عن سيادة القرار الاقتصادي التونسي تبدأ من ترتيب البيت الداخلي ترتيبا عقلانيا.    
كمال بالهادي  

تعليقات الفيسبوك