مع الشروق .. فرنسا أمام ثلاثية: الاعتراف، الاعتذار والتعويض
تاريخ النشر : 07:00 - 2023/08/04
بات الإرث الاستعماري حملا ثقيلا على فرنسا. ولئن ظلت الادارات الفرنسية المتعاقبة تداور وتختفي وراء الكثير من المناورات لتهرب من تحمل مسؤولية هذا الارث ومخلفاته ماضيا وحاضرا على الشعوب الافريقية بالخصوص فإن عملية الهروب وصلت إلى طريق مسدودة على ما يبدو.. وبات على فرنسا أن تقف أمام المرآة لتسأل نفسها: لماذا يتنامى كره الشعوب الافريقية إلينا رغم كل السفسطات الكلامية والعبارات المنمقة ورغم مساحيق المساعدات التي تذروها فرنسا هنا وهناك للتعمية على مواصلة نهب خيرات افريقيا بطرق غير طرق الاستعمار المباشر؟ وما الذي يجب على فرنسا فعله حتى تكفّر عن ماضيها الاستعماري وتتخلّص من عبء موروث يذكّر شعوبا افريقية كثيرة بمآسي وبفظاعات الأمس القريب؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير تحفظها فرنسا الرسمية عن ظهر قلب. وقادتها وسياسيوها يبدعون حتى وقت قريب في التهرّب من الاجابة عنها ومن تبعاتها. وآخرها حرب الارادات التي فتحتها الجزائر على فرنسا على خلفية الحقبة الاستعمارية وفظاعاتها في الجزائر.. وكذلك على خلفية مطالبة الجزائر باريس بالاعتراف والاعتذار والتعويض للشعب الجزائري عساها تكفّر ولو قليلا عن حجم المجازر والفظاعات التي ارتكبها الجيش الفرنسي في حق المجاهدين الجزائريين وفي حق الشعب الجزائري عموما.
لكن هروب فرنسا كل مرة ومراوغاتها المكشوفة للهرب والتنصل من مسؤولية الاعتذار والقبول بدفع التعويضات المجزية ليس بلا ثمن. وفرنسا بصدد دفع الثمن باهظا.. سواء من رصيد علاقاتها مع الجزائر التي شهدت تدهورا شاملا وغير مسبوق يمكن الجزم معه باستحالة عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها طالما لم ترضخ باريس ولم تعتذر عن ماضيها الاستعماري.. أو من رصيد علاقاتها مع العديد من دول القارة الافريقية التي كانت مستعمرات فرنسية.. ولتنظر السلطات الفرنسية إلى وجودها في تلك البلدان وكيف أن الجيل الجديد من القادة الأفارقة في مالي وفي بوركينا فاسو وفي النيجر انخرط في مواجهة مباشرة مع الوجود الفرنسي، مواجهة ستمضي في الأخير إلى اقتلاع الوجود والنفوذ الفرنسيين في القارة لحساب لاعب جديد دخل الميدان.. وهو اللاعب الروسي ممثلا في الرئيس بوتين الذي يجيد فن احترام الشعوب وينخرط في منطق العلاقات المتكافئة والمصالح المشتركة على أسس احترام البشر واحترام خصوصيات الشعوب وعدم المساس بمقومات هوياتها وحضاراتها.
والمتابع لسير الأحداث في قارتنا السمراء يدرك بالعين المجرّدة أن كل موقع تخسره فرنسا ويقتلع منه النفوذ الفرنسي سرعان ما يملؤه الوجود الروسي الجاهز تماما لمد يد المساعدة والدفع نحو استئصال الوجود الغربي في القارة السمراء وتخليصها من هيمنة قوى الشر والاستكبار لتعود افريقيا للأفارقة.. وهي تماما الارادة التي يعبّر عنها الجيل الجديد من القادة الأفارقة الذين قرروا فتح الحساب مع مستعمر الأمس والدفع به خارج البيت الافريقي.
عند هذه النقطة يطل السؤال الثاني الذي طرحناه في المقدمة، ما الذي يتوجب على فرنسا فعله لامتصاص هذه الموجة وتهدئة الغضب الافريقي الجارف؟
الجواب سهل وبسيط ومباشر: على فرنسا وعلى قادتها وعلى سياسييها أن يقفوا أمام المرأة ليصارحوا أنفسهم وليصارحوا شعوب القارة.. وليعترفوا بفظاعة الجريمة الاستعمارية ويقدموا اعتذاراتهم لشعوب القارة ويعلنوا استعدادهم لدفع تعويضات مجزية لقاء ما ألحقوه من دمار وما ارتكبوه من مجازر وفظاعات وما نشروه من جهل وتخلّف وما نهبوه من موارد وخيرات ومقدرات.. ومتى قبلت فرنسا بهذه الثلاثية فإنها تكون قد وضعت أسسا صلبة لعلاقة جديدة مع شعوب القارة.. علاقة تقوم على الاحترام المتبادل وعلى التعاون المتكافئ وعلى المصالح المشتركة.
ولعلم قادة فرنسا وهم أول من يعلم أن ايطاليا مثلا مشت على هذا الدرب زمن العقيد الشهيد معمر القذافي. وقبلت بالاعتذار ودفع التعويضات.. وعلى هذا الأساس تمت المصالحة التاريخية بين برلسكوني والقذافي واتجه البلدان وقتها لطي صفحة الماضي ومعالجة جراحات حقبة الاحتلال الايطالي لليبيا.. فهل تستوعب باريس الدرس وتتحرّك في هذا الاتجاه قبل فوات الأوان.. وقبل أن تجد نفسها وقد كنستها الشعوب الافريقية وألقت بها خارج أسوار القارة السمراء؟ السؤال مطروح والجواب برسم قادة فرنسا وإلى أين يريدون قيادة بلادهم.
عبد الحميد الرياحي
بات الإرث الاستعماري حملا ثقيلا على فرنسا. ولئن ظلت الادارات الفرنسية المتعاقبة تداور وتختفي وراء الكثير من المناورات لتهرب من تحمل مسؤولية هذا الارث ومخلفاته ماضيا وحاضرا على الشعوب الافريقية بالخصوص فإن عملية الهروب وصلت إلى طريق مسدودة على ما يبدو.. وبات على فرنسا أن تقف أمام المرآة لتسأل نفسها: لماذا يتنامى كره الشعوب الافريقية إلينا رغم كل السفسطات الكلامية والعبارات المنمقة ورغم مساحيق المساعدات التي تذروها فرنسا هنا وهناك للتعمية على مواصلة نهب خيرات افريقيا بطرق غير طرق الاستعمار المباشر؟ وما الذي يجب على فرنسا فعله حتى تكفّر عن ماضيها الاستعماري وتتخلّص من عبء موروث يذكّر شعوبا افريقية كثيرة بمآسي وبفظاعات الأمس القريب؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير تحفظها فرنسا الرسمية عن ظهر قلب. وقادتها وسياسيوها يبدعون حتى وقت قريب في التهرّب من الاجابة عنها ومن تبعاتها. وآخرها حرب الارادات التي فتحتها الجزائر على فرنسا على خلفية الحقبة الاستعمارية وفظاعاتها في الجزائر.. وكذلك على خلفية مطالبة الجزائر باريس بالاعتراف والاعتذار والتعويض للشعب الجزائري عساها تكفّر ولو قليلا عن حجم المجازر والفظاعات التي ارتكبها الجيش الفرنسي في حق المجاهدين الجزائريين وفي حق الشعب الجزائري عموما.
لكن هروب فرنسا كل مرة ومراوغاتها المكشوفة للهرب والتنصل من مسؤولية الاعتذار والقبول بدفع التعويضات المجزية ليس بلا ثمن. وفرنسا بصدد دفع الثمن باهظا.. سواء من رصيد علاقاتها مع الجزائر التي شهدت تدهورا شاملا وغير مسبوق يمكن الجزم معه باستحالة عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها طالما لم ترضخ باريس ولم تعتذر عن ماضيها الاستعماري.. أو من رصيد علاقاتها مع العديد من دول القارة الافريقية التي كانت مستعمرات فرنسية.. ولتنظر السلطات الفرنسية إلى وجودها في تلك البلدان وكيف أن الجيل الجديد من القادة الأفارقة في مالي وفي بوركينا فاسو وفي النيجر انخرط في مواجهة مباشرة مع الوجود الفرنسي، مواجهة ستمضي في الأخير إلى اقتلاع الوجود والنفوذ الفرنسيين في القارة لحساب لاعب جديد دخل الميدان.. وهو اللاعب الروسي ممثلا في الرئيس بوتين الذي يجيد فن احترام الشعوب وينخرط في منطق العلاقات المتكافئة والمصالح المشتركة على أسس احترام البشر واحترام خصوصيات الشعوب وعدم المساس بمقومات هوياتها وحضاراتها.
والمتابع لسير الأحداث في قارتنا السمراء يدرك بالعين المجرّدة أن كل موقع تخسره فرنسا ويقتلع منه النفوذ الفرنسي سرعان ما يملؤه الوجود الروسي الجاهز تماما لمد يد المساعدة والدفع نحو استئصال الوجود الغربي في القارة السمراء وتخليصها من هيمنة قوى الشر والاستكبار لتعود افريقيا للأفارقة.. وهي تماما الارادة التي يعبّر عنها الجيل الجديد من القادة الأفارقة الذين قرروا فتح الحساب مع مستعمر الأمس والدفع به خارج البيت الافريقي.
عند هذه النقطة يطل السؤال الثاني الذي طرحناه في المقدمة، ما الذي يتوجب على فرنسا فعله لامتصاص هذه الموجة وتهدئة الغضب الافريقي الجارف؟
الجواب سهل وبسيط ومباشر: على فرنسا وعلى قادتها وعلى سياسييها أن يقفوا أمام المرأة ليصارحوا أنفسهم وليصارحوا شعوب القارة.. وليعترفوا بفظاعة الجريمة الاستعمارية ويقدموا اعتذاراتهم لشعوب القارة ويعلنوا استعدادهم لدفع تعويضات مجزية لقاء ما ألحقوه من دمار وما ارتكبوه من مجازر وفظاعات وما نشروه من جهل وتخلّف وما نهبوه من موارد وخيرات ومقدرات.. ومتى قبلت فرنسا بهذه الثلاثية فإنها تكون قد وضعت أسسا صلبة لعلاقة جديدة مع شعوب القارة.. علاقة تقوم على الاحترام المتبادل وعلى التعاون المتكافئ وعلى المصالح المشتركة.
ولعلم قادة فرنسا وهم أول من يعلم أن ايطاليا مثلا مشت على هذا الدرب زمن العقيد الشهيد معمر القذافي. وقبلت بالاعتذار ودفع التعويضات.. وعلى هذا الأساس تمت المصالحة التاريخية بين برلسكوني والقذافي واتجه البلدان وقتها لطي صفحة الماضي ومعالجة جراحات حقبة الاحتلال الايطالي لليبيا.. فهل تستوعب باريس الدرس وتتحرّك في هذا الاتجاه قبل فوات الأوان.. وقبل أن تجد نفسها وقد كنستها الشعوب الافريقية وألقت بها خارج أسوار القارة السمراء؟ السؤال مطروح والجواب برسم قادة فرنسا وإلى أين يريدون قيادة بلادهم.
عبد الحميد الرياحي