مع الشروق : غزّة تحاصر الاحتلال... من تحت الركام

مع الشروق : غزّة تحاصر الاحتلال... من تحت الركام

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/08/02

في وقت تتزايد فيه صور الهزال وتُرصد مشاهد الموت البطيء في شوارع غزة، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريح بدا إنسانيا في ظاهره، حين أقر بوجود مجاعة حقيقية في القطاع، مؤكدا أن "من يشاهد هذه الصور، ما لم يكن قاسي القلب أو أسوأ، لا يمكنه إلا أن يشعر بالأسى". لكن، كعادته، لم يلبث أن كشف وجهه الحقيقي حين قال بعد أقل من 24 ساعة: "أسرع طريق لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة هو باستسلام حماس وإطلاق سراح الرهائن ".
بهده الكلمات الواضحة، اختصر ترامب الموقف الأمريكي والغربي برمته، القائم على تبييض جرائم الاحتلال ونفي مسؤوليته عن الإبادة والحصار ومنع وصول الغذاء والدواء، ليُحمّل الضحية وحدها عبء مأساتها، مشروطا بنزع سلاحها مقابل جرعة ماء وفتات خبز.
هذا الموقف لا يعكس فقط ازدواجية المعايير، بل يؤكد الطبيعة الحقيقية للسياسة الغربية في التعامل مع القضية الفلسطينية، التي ترى في المقاومة عائقا أمام مصالح الاحتلال وتغض الطرف عن الجرائم التي ترتكب في حق شعب يعاني الحصار والحرب المستمرة.
لكن رغم هذا النفاق السياسي، بدأ العالم يتحرك، أو بالأحرى بدأ يشعر بالخجل من صمته الطويل. فقد أعلنت خمس عشرة دولة، بينها فرنسا، كندا، أستراليا، فنلندا، ومالطا، عن عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، ووجّهت نداءً جماعيا يدعو بقية الدول إلى الانضمام لهذا المسار. جاء هذا الإعلان في ختام مؤتمر عُقد في نيويورك لإحياء حل الدولتين، برعاية فرنسية وسعودية، ليعكس حجم التحول المتزايد في الرأي العام الدولي، وتنامي الإحراج الشعبي والسياسي من التواطؤ المستمر مع الاحتلال.
التحول لم يقتصر على العواصم الغربية بل كانت المفاجأة الأبرز من داخل الكيان الصهيوني نفسه حيث نشرت صحيفة الغارديان البريطانية رسالة موقعة من عشرات الشخصيات الاكادمية الاسرائلية البارزة ، من عالم الفكر والثقافة يطالبون فيها بفرض "عقوبات قاسية" على "إسرائيل"، بسبب ما وصفوه بـ"تجويع سكان غزة حتى الموت"، بل واتهام الحكومة بالتفكير في "التهجير القسري لملايين الفلسطينيين من القطاع".
ولا يغيب عن المشهد ما ذكره موقع "واللا" العبري، حيث يصف الوضع السياسي الحالي للكيان بأنه "معزول سياسيا" بعد أقل من عامين على هجوم السابع من أكتوبر، وسط تراجع الدعم من حلفائه التقليديين، الذين صاروا "يوبخوننا ويتخلون عنا"، نتيجة ضغوط داخلية مرتبطة بـ"خوف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من تحالفات داخل حكومته".
إيغال بلمور، المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، وصف المشهد بأنه "تسونامي"، حيث يشهد الحزب الديمقراطي الأمريكي أسوأ وضع في العلاقات مع إسرائيل، فيما تتزايد المعارضة داخل الحزب الجمهوري، ما يضع الكيان في ورطة حقيقية على المستوى الدولي.
هذا التراجع في الدعم الدولي ليس فقط انعكاسا لصورة الاحتلال في الضمير العالمي، بل هو مؤشر على ازدياد العزلة السياسية التي تواجهها إسرائيل، وهي عزلة تُترجم ضغوطًا متزايدة على صعيد المحافل الدولية، وفي المحاكم، ومع تصاعد دعوات محاسبة الاحتلال على جرائمه، سواء عبر فرض عقوبات أو محاكمات دولية.
في ظل هذا السياق المتشابك، يبقى شعب غزة في قلب المعادلة، يتعرض لأبشع أنواع الحصار، في معاناة لا يمكن إنكارها ولا تهوينها. لكن هذه المعاناة لا تذهب هباء، بل تُشكّل تحديا لكل المعادلات السياسية والإنسانية، وتكشف النقاب عن هشاشة المشروع الصهيوني الذي اعتمد على سياسة الأرض المحروقة والحصار لترويض الفلسطينيين...وبالمقابل يبقى الرهان على المقاومة، رهانا على حق مغتصب لا يسقط بالتقادم، وعلى أمل حيّ لا يموت، وعلى مستقبلٍ تنشده كل نفس تؤمن بالحرية والكرامة.
ناجح بن جدو

تعليقات الفيسبوك