مع الشروق : خان يونس.. فصل في الانتصار

مع الشروق : خان يونس.. فصل في الانتصار

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/06/30

ما حدث جنوب خان يونس ليس مجرّد عملية عسكرية ناجحة، بل هو فصل مكتمل من ملحمة كتبت بحروف للشجاعة وهي درس حي في ميزان القوى حين تنقلب المعادلة، وتسقط المدرعة داخل العبوة، ويتحول الجندي الظالم من مطارد إلى فريسة، تحترق مركبته بنارٍ صنعها الابطال من بين الركام والمآذن.
في وضح النهار، وفي منطقة يصنفها الكيان "مسيطر عليها بالكامل"، نَفذ مقاتلان من كتائب القسّام كمينا مركبا ضد ناقلتي جند تابعتين للواء الهندسة القتالية 605 ، لم يكن الأمر ارتجالا ولا اندفاعا عاطفيا، بل عملية أُعد لها كما يعد المقال الصحفي: تخطيط ، متابعة وصياغة محترف يعلم الزاوية التي يريد التركيز عليها بكلمات من القلب ..
  عبوة كانت في لحظات في المدرعة بأياد شجاعة  فلم تكتفِ بإتلاف الحديد بل مزقت هيبة الجيش الذي يتغنى دائمًا  بـ"الجيش الذي  يُقهر".
أحرقت الناقلة بمن فيها، وسحب حطامها المحترق أمام عدسات الجنود، في مشهد لا يمكن طمسه بالروايات المضلِّلة والتغطيات الصحفية الزائفة المجانبة للحقيقة. 
جنود جبناء كانوا قبل لحظات يتلذذون بالقنص العشوائي  دفنوا بين صفائح معدنية ذابت عليهم فأذابتهم.. 
 الجيش الذي لا يقهر، قهر هذه المرة من جديد واعترف بعد تلكإ  بالكارثة التي حلت به في لحظات فارقة ،  والمجتمع اللقيط اهتز وبكى، والمعارضة حمّلت الحكومة مسؤولية كارثة "خان يونس".
المقال الصحفي الدقيق وهو ينقل شجاعة الروايات  قال : تقدم البطل الفلسطيني، بحزامه الناسف أو عبوة يدوية الصنع، ليعيد تشكيل حدود المعركة، لا على الخارطة، بل في وجدان المستوطن، في أمان الجندي، في وهم الردع. ماذا بقي من أسطورة دبابة الميركافا إذا كانت عبوة بدائية تفجّرها من الداخل؟ وماذا بقي من الغطرسة إذا اضطر الجنود إلى جمع أشلاء زملائهم داخل اكياس سوداء كسواد ظلمهم للأبرياء  ..
هذه العملية ليست فقط عسكرية، بل رمزية في توقيتها ومكانها.. خان يونس، المدينة التي صمدت لاشهر عديدة تحت نار الاحتلال الغاشم، لا تُسلّم رقبتها للعدو، بل تمد يدها ببسالة لتضرب بقوة وتنسحب.
 وهنا تظهر البوصلة الأخلاقية للمقاومة الفلسطينية حين تُوجّه ضرباتها لجنود مدجّجين بالأسلحة ، محتمين في مركباتهم، لا لمدنيين نيام في منازلهم.
الرسالة الأبلغ في هذه العملية النوعية تقول أن الإرادة في الدفاع عن الحقوق حين تقترن بالذكاء والشجاعة، كفيلة بأن تخلخل أعتى الجيوش ، فكمين خان يونس ليس ضربة وحسب، بل علامة فارقة في مسار الحرب هي بداية الارتباك الإسرائيلي الحقيقي... وربما بداية الانكسار..بل الانكسار..
عدتُ إلى التاريخ أبحث عن اصل اسم مدينة الأبطال هذه، ففهمت أن خان يونس لم تكن مجرد اسم على الخريطة، بل وعد بالحماية وموعد مع البطولة.. مدينة ولدت في زمن المماليك بخانٍ وقلعةٍ لتأمين القوافل والمسافرين، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى رمزٍ للصمود في وجه الغزاة. واليوم، وبعد قرون، تثبت خان يونس من جديد أنها لا تزال على العهد: درعُ المقاومة، ونبضُ الأرض، ومقبرةُ الطامعين الظالمين..
راشد شعور
 

تعليقات الفيسبوك