مع الشروق.. حرية الفرد... حرية المجموعة

مع الشروق.. حرية الفرد... حرية المجموعة

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/10/27

مسألة الجواز الصحي الذي أعلن رئيس الدولة عن انطلاق اعتماده بعد أسابيع يعيد طرح العلاقة الجدلية بين حرية الفرد وحرية المجموعة.
فقد انقسم التونسيون، كالعادة، بين مرحّب بالفكرة على اعتبار أنها سبيلنا الوحيد لتحفيز المترددين والرافضين للتلقيح وصولا لتحقيق المناعة الجماعية ضد فيروس كورونا ومتحولاته... وبين رافض لها بدعوى أن إجبار الناس على التلقيح يُعدّ اعتداء على حريتهم الشخصية  وتعدّيا على حق أساسي من حقوق الإنسان...
الواقع أن هذا الجدل يعيد طرح العلاقة بين حدود حرية الفرد وحدود حرية المجموعة... وكذلك بين حقوق الفرد وحدودها وحقوق المجموعة وضوابطها.
فإذا كانت الدساتير والقيم قد كرّست الحريات الشخصية وخاصة في سياق مجتمع ديمقراطي يؤمّن الحقوق والحريات وينتصر لها، فإنّها لم تهمل بالمقابل حرية المجموعة وحقوقها على الفرد كما لم تُهمل الضوابط التي ترسم حدود العلاقة بين الطرفين وحقوق كل واحد منهما.
وفي مجال التلقيح ضد فيروس كورونا، فقد سبقتنا مجتمعات غربية كثيرة إلى طرح هذه الإشكالية بكل حدة وبشكل حارق. حيث سجلت الكثير من المظاهرات بما يتبعها من صدامات ومواجهات بين الأمن والمتظاهرين في فرنسا مثلا على خلفية رفض شرائح مهمة من المجتمع الفرنسي للتلقيح وبالتالي لمسألة اعتماد جواز التلقيح للدخول إلى الفضاءات العامة وإلى المصالح العمومية... لكن حجة الرافضين تبقى منطقيا محدودة ويرفضها العقل والذوق السليم إن كان لهما بعد مكان في خضم فوضى الآراء وانفلات شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تدير معارك حامية الوطيس وصراعات رؤى وأفكار لا حدود لها...
ذلك أن كل شعوب العالم قد عايشت محنة كورونا وعايشت آثارها المدمّرة على كل الدول. وتابعت كيف نجح ذلك الفيروس اللعين الذي لا يرى في شل حركة أعتى الامبراطوريات والقوى الاقتصادية العالمية وفي إصابة اقتصادياتها في مقتل، وكيف كانت طوابير الأموات تتلاحق بالآلاف في الطريق إلى المقابر. وضع مأساوي أكد جل الخبراء والمتدخلين في الشأن الصحي على أن تجاوزه والنجاة من شروره تمر حتما عبر  ا لتطعيم بما يكفي من جرعات لتحقيق المناعة الجماعية ومكافحة قدرة هذا الفيروس على التحوّل والظهور في كل مرة بشكل مغاير أشد فتكا وأكثر سرعة وقدرة على الانتشار وحصد الإصابات والأرواح...
وهذا المعطى كفيل بدحض كل حجج المترددين أو الرافضين للتطعيم ولجواز التلقيح... لأن الرفض في هذه الحالة يخرج من خانة الحرية الفردية ليدخل في خانة الإضرار بالمجتمع لجهة أن رفض التطعيم هو في حقيقة الأمر بمثابة الرفض لتحقيق المناعة الجماعية وبالتالي الرفض لتأمين سلامة المجتمع، بل والتآمر على صحة المجموعة. لأن إصابة شخص يرفض التلقيح ضد فيروس كورونا تتجاوز حدود حريته الجسدية إلى الإضرار بالمجموعة... لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ولن يقدر على ضبط الفيروس وحركته وتنقلاته ليصبح ناقل الفيروس كناقل مرض فتاك أو كمن يسعى إلى قتل الناس في محيطه مع سبق الإضمار والترصد لجهة رفضه للتطعيم ورفضه لجواز التطعيم.
من هنا، فإنّ أي جدل بخصوص اعتماد هذا الإجراء في بلادنا هو جدل عقيم. لأن الفيروس وفتكه ومخاطره قد رسم حدودا جديدة لعلاقة حرية الفرد وحرية المجموعة وهي حدود تمنح العلوية لحرية المجموعة ولحقّها في تحصيل المناعة الجماعية طالما أن حق الناس في الحياة مرتبط بهذه المناعة... ولا أحد يجادل في أن الحق في الحياة هو أقوى وأقدس الحقوق... أليس كذلك؟
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك