مع الشروق.. تونس .. والتعويل على الذات

مع الشروق.. تونس .. والتعويل على الذات

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/08/29

بعد موجة عشر سنوات من تهافت الحكومات المتعاقبة والأطراف السياسية النافذة على الاقتراض الخارجي والداخلي، آن الأوان اليوم للتفكير الجدّي في التعويل على الذات وفي إيقاف نزيف التكاليف المشطة للقروض المختلفة. فبشهادة عديد المختصين والخبراء، بإمكان تونس اليوم الاستناد لإمكانياتها المختلفة قصد الخروج من دائرة الارتهان للاقتراض الخارجي أو على الأقل التخفيف منه وجعله مقتصرا فقط على الحاجيات الضرورية وعلى دفع الاستثمار والتنمية لا غير وليس توجيهه لغايات أخرى.
وطيلة الاعوام الماضية، بلغ التداين الخارجي في تونس مستويات غير مسبوقة وبتكاليف جدّ باهظة دون أن تستفيد منه البلاد والشعب كثيرا. فأغلب القروض والتمويلات الأجنبية تم التعاطي معها بطرق مشبوهة وملتوية، وهناك من يتحدث عن "تحويل وجهتها" إلى مآلات أخرى غير المصلحة الوطنية. كما أن عديد القروض ذهبت لخلاص الأجور المرتفعة بعد أن وقع إغراق الوظيفة العمومية والقطاع العام بانتدابات مشبوهة وغير ضرورية وذهبت لخلاص نفقات التوريد العشوائي..
اليوم توجد في تونس عديد الحلول التي تُخوّل للدولة التعويل على الذات خاصة في ظل توفر إرادة سياسية واضحة لتصحيح ما حصل من انحرافات وتجاوزات في الأعوام المنقضية. من ذلك مثلا التعجيل بتنفيذ كل الآليات المتاحة لإدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم حتى يقع توفير عائدات جبائية إضافية يمكن أن تساوي العائدات الجبائية المستخلصة اليوم من القطاع المنظم. فهذا القطاع ظل خاضعا في الأعوام الماضية لابتزاز جهات سياسية نافذة عمدت  الى عدم ادماجه في القطاع المنظم حتى تستفيد منه بتمويلات للأحزاب وللحملات الانتخابية بدل أن يدفع الضرائب للدولة..
ومن الحلول المتاحة الأخرى مزيد إحكام قبضة الدولة على قطاع الفسفاط الذي يمكن أن يمثل وحده موردا هاما لخزينة الدولة شريطة إعادته على السكة الصحيحة وتخليصه بكل صرامة وحزم من براثن لوبيات الفساد والتعطيل التي استهدفته طيلة الأعوام الماضية ولا تزال. ويوجد أيضا ملف الطاقة والمحروقات الذي شهد بدوره طيلة الأعوام الماضية تعطيلا ممنهجا لمنح تراخيص التنقيب والاستكشاف وهو ما قلص عائداته، وشهد أيضا تعطيلا ممنهجا للتوجه نحو الطاقات المتجددة، وهو ما رفع من تكلفة توريد الطاقة.
ومن القطاعات الأخرى التي بإمكانها توفير عائدات إضافية للدولة منظومة الدعم التي تستنزف كثيرا من الميزانية وتستفيد منها أطراف عديدة لتحقيق الأرباح على حساب الدولة بدل أن تقتصر فقط على مستحقي الدعم وآن الأوان لاصلاحها.. وينطبق ذلك أيضا على ملف المؤسسات العمومية المفلسة التي أصبحت بدورها أكبر مصدر استنزاف للميزانية رغم أنها لا تحقق أية أرباح وهو ما يقتضي إما إصلاحها بشكل جذري أو خوصصتها. كما أن إصلاح القطاع الفلاحي بإمكانه اليوم أن يكون سندا هاما لميزانية الدولة لو يقع تطويره واستغلال الأراضي الفلاحية الدولية بشكل أفضل لانعاش التصدير ولتحقيق الاكتفاء الذاتي وتجنب التوريد الغذائي المُكلف.
اليوم، لا مفر أمام تونس، لتحسين وضعها المالي الصعب وتجنب اللجوء  للاقتراض الخارجي غير التوجه نحو الحلول العاجلة والفورية القادرة على توفير عائدات مالية داخلية في عديد القطاعات. وهي القطاعات التي تعمدت الحكومات المتعاقبة والأطراف السياسية الحاكمة خلال الأعوام الماضية تهميشها وعدم إصلاحها، وتركتها تنشط بطرق ملتوية وضبابية حتى تقدر على الاستفادة منها وابتزازها ماليا دون أن تجني الدولة منها شيئا. فتونس تتوفر على إمكانيات هائلة وثروات طبيعية هامة وظروف مناخية وجغرافية مستقرة ورأس مال بشري متطور، وهي عوامل لو توفرت في دول أخرى لوقع استغلالها بشكل أفضل لتحقيق الاكتفاء الذاتي المالي والتقليص أقصى ما يمكن من الاقتراض الخارجي..
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك