مع الشروق .. تونس والتعاطي مع التطوّرات الدولية

مع الشروق .. تونس والتعاطي مع التطوّرات الدولية

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/12/13

يعيش العالم منذ فترة على وقع تقلبات عديدة ومثيرة آخرها ما جرى في سوريا منذ الأحد الماضي بعد إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد. وتنضاف الأزمة السورية اليوم إلى ما جرى قبل ذلك بأسابيع من تطورات للأوضاع في لبنان وإلى ارتفاع حدة الاعتداءات الوحشية والانتهاكات وحرب الإبادة التي يواصل الكيان المحتل ارتكابها في غزّة وفي فلسطين عموما، وما تخلل كل ذلك من اغتيالات ومن أحداث مثيرة شملت كذلك إيران.
وإضافة إلى أحداث الشرق الأوسط، مازالت الحرب الروسية الأوكرانية أيضا تراوح مكانها وتلقي بظلالها على مختلف التوازنات السياسية والاقتصادية في القارة الاوروبية وعلى علاقات دولها الكبرى بالولايات المتحدة الامريكية سواء الحالية في ظل حكم الرئيس الامريكي الحالي بايدن أو القادمة بداية من العام المقبل مع تولي الرئيس الجديد ترامب الحكم. حيث يتوقع الخبراء أن تكون فترة رئاسة ترامب مليئة بالتقلبات المختلفة التي ستلقي بظلالها على التوازنات العالمية والإقليمية الحالية.
وفي جهات أخرى من العالم، تواصل قوى دولية أخرى تحركاتها من أجل منافسة القوى التقليدية حول "زعامة العالم" اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا. وهو ما يُترجمه توجه هذه القوى نحو الاتحاد في إطار تجمعات اقتصادية ومالية وسياسية كبرى أبرزها  تجمع "بريكس" بقيادة الصين وروسيا أو مواصلة "الحلف المنافس" بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نشاطه التقليدي بكل الطرق الممكنة  حتى لا يفقد "الزعامة العالمية". وفي كل الأحوال لا يمكن أن يمر صراع الزعامة هذا دون ارتدادت على بقية العالم ومنه تونس.
هذه التقلبات والتطورات المختلفة والمتسارعة تضع أغلب الدول اليوم أمام مرحلة جديدة أصبحت تقتضي مزيدا من اليقظة والاستشراف على مختلف الواجهات. ومن الطبيعي أن تكون تونس ضمن كوكبة الدول التي بات عليها اليوم بذل أكثر جهودا للمحافظة أولا على مصالحها الحيوية وحماية أمنها الداخلي من ارتدادات ما يحصل بين الحين والآخر، اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا وسياسيا، وأيضا للتعاطي مع مختلف هذه التقلبات بحذر وبدرجة عالية من اليقظة والاستشراف.
ولا خيار أمام تونس اليوم غير مواصلة التعاطي مع كل ذلك  بالاستناد دائما إلى ثوابت الديبلوماسية التونسية القائمة على عدم التدخل في شؤون الغير وعلى حثّ أطراف النزاعات على الوسائل السلمية لحل الأزمات وعلى المحافظة على المصالح الاقتصادية والحيوية للدولة في الخارج.  وهو ما لمّح إليه رئيس الجمهورية قيس سعيد أثناء لقائه بوزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي عندما أكد على دور الدبلوماسية التونسية في هذه الفترة بناء على ثوابتها. وشدد سعيّد على أن العالم اليوم "يشهد تطورات متسارعة غير مسبوقة ويجب أن تكون الدبلوماسية التونسية مستشرفة لكل الأوضاع التي يمكن أن تستجدّ للذود عن مصالح تونس".
وقد أثبتت التجربة الديبلوماسية التونسية منذ الاستقلال إلى اليوم نجاحها دائما في التوقي من ارتدادات وانعكاسات مختلف التقلبات التي يعيشها العالم بين الحين والآخر. وهو المطلوب اليوم خاصة في ظل تصاعد وتيرة مختلف الأحداث في عديد مناطق العالم وأيضا باعتبار أن تقلبات اليوم ليست تقلبات الامس، وتحالفات السنوات الماضية لم تعد نفسها اليوم والمصالح التقليدية تغيرت وأصبحت خاضعة لضغوطات وتوازنات جديدة. وهو ما يتطلب من بلادنا  تعاطيا مدروسا وحذرا واستشرافيا يأخذ بعين الاعتبار كل المخاطر والارتدادات الممكنة وكذلك المصلحة العليا للبلاد.
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك