مع الشروق : بداية عزلة...أم مجرّد مناورة؟
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/05/22
في خطوة تبدو لافتة للنظر على الرغم من أنه لا يمكن الجزم بمدى انحيازها للمبدئية في مقاربة قضايا العدل والحق، شهدت الأيام الماضية تصاعدا غير مسبوق في حدة اللهجة الأوروبية تجاه الكيان الصهيوني، مصحوبا بإجراءات عملية يراها البعض بمثابة نقطة البداية لتغير استراتيجي في العلاقات الأوروبية الإسرائيلية ونُذُرا لبداية عزلة دولية لإسرائيل بعد أكثر من سنة ونصف من الدعم الغربي المطلق منذ السابع من أكتوبر 2023.
ولم يكن البيان الثلاثي المشترك الذي أصدرته فرنسا وبريطانيا وكندا في 19 ماي مجرد بيان روتيني آخر ضمن هذا السياق في مقاربة العلاقة الغربية مع إسرائيل، فقد حمل ما يمكن تسميته بالتهديد الصريح باتّخاذ إجراءات ملموسة ضد الكيان الغاصب إذا لم يوقف عملياته العسكرية في غزة "فورا". حيث أكد البيان أن مستوى المعاناة الإنسانية في القطاع "لا يطاق"، في إشارة إلى تغير ملحوظ في الخطاب السياسي الأوروبي.
وسرعان ما تبع هذا البيان خطوات عملية. حيث أعلنت بريطانيا تعليق مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرض عقوبات على أفراد وكيانات في الضفة الغربية المحتلة، واستدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن، وفي خطوة غير مسبوقة صرّح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بأن "توسيع إسرائيل للعملية العسكرية لا يمكن تبريره أخلاقيا"، مضيفا " لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ممارسات إسرائيل في غزة".
أما فرنسا فقد صعّدت لهجتها بشكل حاد. وأعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية في اجتماع مرتقب في نيويورك في 18 جوان المقبل. حيث أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن "العنف العشوائي وحظر الحكومة الإسرائيلية دخول المساعدات الإنسانية حوّلا القطاع إلى معسكر موت، إن لم يكن إلى مقبرة".
وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، بدأت مناقشات جدية حول مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، فيما دعت 22 دولة أوروبية من ضمنها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إسرائيل الى السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
هذه المقاربة الأوروبية المستجدة للأوضاع في غزّة يمكن إرجاعها إلى عوامل ضاغطة من ضمنها، الاحتجاجات الحاشدة في الداخل الأوروبي منذ بداية العدوان الصهيوني الغاشم على القطاع المنكوب وتصاعد حدتها مع استمرار العمليات العسكرية. وهو ما ولّد ضغوطا شعبية كبرى على الحكومات الغربية، إضافة الى الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في القطاع مع تحذير الأمم المتحدة من احتمال وفاة 14 ألف طفل خلال 48 ساعة إذا لم تصل المساعدات حيث وصف رئيس الوزراء الايرلندي منع تدفقها إلى غزة كسلاح بأنه جريمة حرب، فضلا عن طول أمد الحرب وتغير المزاج السياسي الأوروبي مع تحول الخطاب من "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس إلى انتقاد "العنف الأعمى" للحكومة الإسرائيلية.
وترى عديد القراءات أن كل المواقف الأخيرة مؤشرات بداية عزلة سياسية للكيان الغاصب بدأت في التشكل، في ظل تصاعد الانتقادات من حلفاء تقليديين، وتعليق اتفاقيات تجارية، وفرض عقوبات والتلويح بالاعتراف بدولة فلسطينية. وقد أقرّ بذلك رئيس حزب الديمقراطيين الصهيوني حين صرّح بأن "إسرائيل تواجه عزلة دولية".
لكن العامل الحاسم وسط كل تلك المواقف يبقى الموقف الأمريكي. إذ لاتزال إدارة ترامب تقدم دعما قويا للكيان المحتل الى حد اللحظة والذي قد يتأثر بضغط الرأي العام الدولي والحقائق الميدانية على غزة في ظل حرب الإبادة الجماعية، في انتظار ترجمة المواقف الأوروبية إلى إجراءات أكثر صرامة تجبر إسرائيل على وقف عدوانها الغاشم على الشعب الفلسطيني حتى لا تكون المسألة برمتها مجرد مناورة لامتصاص غضب الشارع الداخلي الأوروبي.
هاشم بوعزيز
في خطوة تبدو لافتة للنظر على الرغم من أنه لا يمكن الجزم بمدى انحيازها للمبدئية في مقاربة قضايا العدل والحق، شهدت الأيام الماضية تصاعدا غير مسبوق في حدة اللهجة الأوروبية تجاه الكيان الصهيوني، مصحوبا بإجراءات عملية يراها البعض بمثابة نقطة البداية لتغير استراتيجي في العلاقات الأوروبية الإسرائيلية ونُذُرا لبداية عزلة دولية لإسرائيل بعد أكثر من سنة ونصف من الدعم الغربي المطلق منذ السابع من أكتوبر 2023.
ولم يكن البيان الثلاثي المشترك الذي أصدرته فرنسا وبريطانيا وكندا في 19 ماي مجرد بيان روتيني آخر ضمن هذا السياق في مقاربة العلاقة الغربية مع إسرائيل، فقد حمل ما يمكن تسميته بالتهديد الصريح باتّخاذ إجراءات ملموسة ضد الكيان الغاصب إذا لم يوقف عملياته العسكرية في غزة "فورا". حيث أكد البيان أن مستوى المعاناة الإنسانية في القطاع "لا يطاق"، في إشارة إلى تغير ملحوظ في الخطاب السياسي الأوروبي.
وسرعان ما تبع هذا البيان خطوات عملية. حيث أعلنت بريطانيا تعليق مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرض عقوبات على أفراد وكيانات في الضفة الغربية المحتلة، واستدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن، وفي خطوة غير مسبوقة صرّح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بأن "توسيع إسرائيل للعملية العسكرية لا يمكن تبريره أخلاقيا"، مضيفا " لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ممارسات إسرائيل في غزة".
أما فرنسا فقد صعّدت لهجتها بشكل حاد. وأعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية في اجتماع مرتقب في نيويورك في 18 جوان المقبل. حيث أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن "العنف العشوائي وحظر الحكومة الإسرائيلية دخول المساعدات الإنسانية حوّلا القطاع إلى معسكر موت، إن لم يكن إلى مقبرة".
وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، بدأت مناقشات جدية حول مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، فيما دعت 22 دولة أوروبية من ضمنها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إسرائيل الى السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
هذه المقاربة الأوروبية المستجدة للأوضاع في غزّة يمكن إرجاعها إلى عوامل ضاغطة من ضمنها، الاحتجاجات الحاشدة في الداخل الأوروبي منذ بداية العدوان الصهيوني الغاشم على القطاع المنكوب وتصاعد حدتها مع استمرار العمليات العسكرية. وهو ما ولّد ضغوطا شعبية كبرى على الحكومات الغربية، إضافة الى الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في القطاع مع تحذير الأمم المتحدة من احتمال وفاة 14 ألف طفل خلال 48 ساعة إذا لم تصل المساعدات حيث وصف رئيس الوزراء الايرلندي منع تدفقها إلى غزة كسلاح بأنه جريمة حرب، فضلا عن طول أمد الحرب وتغير المزاج السياسي الأوروبي مع تحول الخطاب من "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس إلى انتقاد "العنف الأعمى" للحكومة الإسرائيلية.
وترى عديد القراءات أن كل المواقف الأخيرة مؤشرات بداية عزلة سياسية للكيان الغاصب بدأت في التشكل، في ظل تصاعد الانتقادات من حلفاء تقليديين، وتعليق اتفاقيات تجارية، وفرض عقوبات والتلويح بالاعتراف بدولة فلسطينية. وقد أقرّ بذلك رئيس حزب الديمقراطيين الصهيوني حين صرّح بأن "إسرائيل تواجه عزلة دولية".
لكن العامل الحاسم وسط كل تلك المواقف يبقى الموقف الأمريكي. إذ لاتزال إدارة ترامب تقدم دعما قويا للكيان المحتل الى حد اللحظة والذي قد يتأثر بضغط الرأي العام الدولي والحقائق الميدانية على غزة في ظل حرب الإبادة الجماعية، في انتظار ترجمة المواقف الأوروبية إلى إجراءات أكثر صرامة تجبر إسرائيل على وقف عدوانها الغاشم على الشعب الفلسطيني حتى لا تكون المسألة برمتها مجرد مناورة لامتصاص غضب الشارع الداخلي الأوروبي.
هاشم بوعزيز
