مع الشروق : النصر والهزيمة في معركة الإرادة والصمود

مع الشروق : النصر والهزيمة في معركة الإرادة والصمود

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/06/25

الشيء الواضح في معركة الاثني عشر يوما بين الكيان الصهيوني المعتدي وايران المدافعة عن نفسها، أنّها كانت مواجهة إرادة وصمود بين طرف يريد تحييد طهران من اللعبة وطرف يريد اثبات أنه لا غنى عنه ولا يمكن أبدا ازاحته ببساطة من اللعبة الشرق الاوسطية.
عندما شنّ الكيان الصهيوني عدوانا مفاجئا على ايران، كان سقف طموحه وانتظاراته هو تحقيق أهداف كبيرة في وقت قصير جداّ، يجنّبه تبعات العدوان وهو الذي يعرف جيّدا ان كل يوم جديد في المواجهة سيكون ثمنه باهظا.
والملاحظ ان الكيان الصهيوني عوّل من خلال عدوانه الكبير كمّا وكيفا، على توجيه ضربة قاصمة لطهران منذ الأيام الأولى لتعطيل القيادة والسيطرة داخل النظام الإيراني ونشر الفوضى من أجل نتيجة واحدة وهي إسقاط النظام.
فنتنياهو الذي أخبر الرئيس الأمريكي قبل أيام من الضربة بأنّه يملك "جيشا" داخل ايران، كان يأمل ووعد الامريكان أيضا بنتيجة عظيمة تقصم ظهر النظام الايراني على حين غرّة وبسرعة فائقة تجعل من الأخير في وضع يرثى له ويريد الراية البيضاء والاستسلام.
لكن بعد الأيام الثلاثة الاولى، فشل مخطّط نتنياهو وامتصت ايران الصدمة سريعا واسترجعت زمام المبادرة بتوجيه ضربات مؤلمة جدا في قلب الكيان الصهيوني، كما فكّكت شبكات لا طائل لها من العملاء المتعاونين من الموساد وأوقفت الى حدّ كبير الاختراق الكبير لها. امتصاص ايران للصدمة سريعا واسترجاعها لزمام المبادرة داخليا وخارجيا في المواجهة مع الاحتلال، أعاد ترتيب الحسابات للاحتلال أولا ولأمريكا ثانيا، وكان واضحا ان المواصلة في المواجهة يعني دمار مدن الاحتلال وادخاله في حرب استنزاف مكلفة جدا.
من هنا تحديدا جاء الانخراط الأمريكي في المواجهة عبر توجيه ضربة استعراضية لمنشأة "فوردو" النووية، لإثبات أولا جدّية الحماية والتحالف العميق بين أمريكا والاحتلال، ولتسويق نصر اعلامي بتدمير البرنامج النووي الايراني ثانيا، ولإيجاد مخرج في ثوب المنتصر للكيان الصهيوني ثالثا.
بالإضافة الى ذلك، أرادت واشنطن اثبات أنها الحكم في كل لعبة في الشرق الاوسط ، وأرادت من الضربة ان تعود ايران الى طاولة المفاوضات من منطق طلب الامان وليس من منطق قوة واملاء شروط.
طهران من جهتها، أرادت من الضربة الرمزية لقاعدة "العديد" الامريكية في قطر، أن تثبت أنّها قادرة على تهديد لمصالح الامريكية أولا، وثانيا أنها لن تجلس الى الطاولة من موقع المستسلم تماما.
من الضربة الامريكية "الاستعراضية" لمنشأة "فوردو" الايرانية الى الضربة الايرانية "الرمزية" لقاعدة "العديد" الامريكية في قطر، كان العنوان الابرز هو ان الجميع يبحث عن مخرج ما لوقف إطلاق النار، خاصّة بعد الطلب الصهيوني الصّريح من واشنطن بأنها تريد وقف الحرب.
في ميزان النصر والهزيمة، كان هدف الاحتلال هو تدمير البرنامج النووي تماما والمنشآت الصاروخية واسقاط النظام كنتيجة لذلك، هل نجح الكيان الصهيوني في ذلك؟ يبدو النجاح نسبيا من حيث اغتيال قادة وعلماء كبار، باعتبار ان البرنامج النووي الايراني ليس مجرّد منشآت وإنما اصبح في عقل كل عالم ايراني ويصعب انهاؤه.
لا يبدو ايضا ان الاحتلال نجح في تدمير المنشآت الصاروخية الايرانية حيث يتواصل امطار المدن المحتلة بالصواريخ حتى آخر لحظة، هذا بالإضافة الى أن النظام الايراني نفسه ازداد تماسكا وصلابة والتف حوله حتى أشرس معارضيه منذ عقود.
بين ما أراده الاحتلال وما قدّمته ايران من صمود، يمكن القول إن الكيان الصهيوني انتصر عسكريا وعمليا لكن طهران انتصرت استراتيجيا وأثبتت أنها ليست لقمة سائغة يمكن ابتلاعها بسهولة، وقد تعود اقوى وأشد صلابة من ذي قبل.
وبعد لعبة الميدان، يأتي الدور الآن على لعبة الطاولة وهي المحدّد الرئيسي مع الوقت لمن انتصر ومن انهزم في هذه الجولة من جولات كثيرة، في شرق أوسط رماله متحرّكة وصراعاته دائمة لا تنتهي.
بدرالدّين السّيّاري
 

تعليقات الفيسبوك