مع الشروق .. المُؤسّسات العُمومية... ثروة ضائعة!
تاريخ النشر : 07:00 - 2023/05/19
عندما قرّرت دولة الاستقلال إحداث مؤسسات ومنشآت عمومية في مختلف القطاعات، كانت الفلسفة العامة آنذاك هي أن تكون تلك المؤسسات «عملاقة»، اقتداء بدول متقدمة سبقتنا في المجال. وكل ذلك حتى تقدر على القيام بالأدوار التي ستُعهد إليها وفي مقدمتها تحقيق السيادة الاقتصادية في عديد المجالات وتحقيق الامن الغذائي والاستقلال الاقتصادي، فضلا عن دور اجتماعي في مجال تشغيل العاطلين وأيضا تعديل السوق والضغط على أسعار عديد المواد الاستهلاكية الحساسة وجعلها قاطرة locomotive تجرُّ وراءها القطاع الاقتصادي الخاص والمنظومة الاقتصادية برمتها.
وقد تطلب هذا التوجه إحداث عدد كبير من هذه المؤسسات والمنشآت العمومية فوق رصيد عقاري كبير وشاسع وفي مواقع استراتيجية من مختلف أنحاء البلاد. وبالفعل مكّن هذا الرصيد العقاري الممتد والشاسع عددا منها على أن تولد «كبيرة» ونجح أغلبها في استغلاله على الوجه الأفضل لتكون في مستوى المسؤولية التي أحدثت من أجلها، على امتداد سنوات، على غرار شركات الفولاذ وعجين الحلفاء (الورق) واللحوم والسكر ودواوين الأراضي الدولية وفسفاط قفصة وشركات النقل البري والبحري والجوي والمستشفيات والوكالات والدواوين المختلفة..
لكن اليوم، وأمام ما أصبحت تعيشه أغلب المؤسسات والمنشآت العمومية من حالة ضعف وتراجع للنشاط وبلوغ بعضها حافة الإفلاس، بات ذلك الرصيد العقاري الشاسع والممتد على آلاف الهكتارات بكامل أنحاء البلاد مُهملا وغير مستغل. وأكثر من ذلك، أصبح المشهد في عديد المؤسسات العمومية مؤلما بالنظر الى حالة الخراب الكبيرة التي اصابت المباني وبعض مواقع الإنتاج في تلك المؤسسات وتحول بعضها الى مكان يرتاده المنحرفون فيما تعرض البعض الآخر إلى محاولات استيلاء من الخواص دون أن تستفيد منها الدولة.
عقارات شاسعة وآلاف الهكتارات من الأراضي البيضاء غمرتها الأشجار والاعشاب الطفيلية وبنايات كبرى مهجورة وتجهيزات أصابها الخراب، توحي بأن الدولة في غنى عنها تماما وليست في حاجة إليها رغم مواقعها الاستراتيجية الهامة وما تمثله من ثروة لا تقدّر بثمن ورغم ما تمر به المؤسسات العمومية وميزانية الدولة من صعوبات. والغريب أن عددا منها يقع في مواقع استراتيجية هامة بالعاصمة وضواحيها بأغلب المدن الكبرى وبعض المناطق السياحية، دون اعتبار العقارات الفلاحية المهملة التابعة ايضا لمؤسسات عمومية في عدد من المناطق الريفية.
اليوم، بإمكان هذا الرصيد العقاري المهمل أن يتحوّل إلى أحد أبرز حلول إنقاذ وإصلاح المؤسسات العمومية المُفلسة وأن يمثل متنفسا لميزانية الدولة. ويمكن ان يكون ذلك إما من خلال إعادة تهيئته لفائدة المؤسسة العمومية ذاتها لاستغلاله في احد أنشطتها التي تعود عليها بالفائدة، أو التفويت فيها او في جزء منها إلى الخواص أو من خلال تثمينه واستغلاله من الدولة نفسها عبر إحداث أقطاب صناعية أو خدماتية وتسويغها للخواص، أو لإحداث بنايات إدارية تخفف عن الدولة عبء تسويغ بعض المباني الوزارية والإدارية او لبعث مشاريع سكنية.
تساؤلات عديدة حول أسباب كل هذه «السلبية» واللامبالاة من الدولة تجاه رصيد عقاري كبير وثروة مهدورة لا تُقدّر بثمن يقع تجاهلها واهمالها في حين أن تثمينها وحسن التصرف فيها، بأية طريقة كانت، يمكن أن يعود بالفائدة على ميزانية الدولة وعلى المؤسسات العمومية المعنية وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام. وهو ما يقتضي تحركا من الوزارات المعنية التي تخضع لاشرافها تلك العقارات المهملة التابعة للمؤسسات العمومية وكذلك وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية والقيام بجرد واسع لكل هذه العقارات وإعداد استراتيجية كاملة لتثمين هذه الثروة الوطنية المهملة في وقت تحتاج فيه الدولة إلى التوجه نحو كل الحلول الممكنة للإنقاذ والإصلاح..
فاضل الطياشي
عندما قرّرت دولة الاستقلال إحداث مؤسسات ومنشآت عمومية في مختلف القطاعات، كانت الفلسفة العامة آنذاك هي أن تكون تلك المؤسسات «عملاقة»، اقتداء بدول متقدمة سبقتنا في المجال. وكل ذلك حتى تقدر على القيام بالأدوار التي ستُعهد إليها وفي مقدمتها تحقيق السيادة الاقتصادية في عديد المجالات وتحقيق الامن الغذائي والاستقلال الاقتصادي، فضلا عن دور اجتماعي في مجال تشغيل العاطلين وأيضا تعديل السوق والضغط على أسعار عديد المواد الاستهلاكية الحساسة وجعلها قاطرة locomotive تجرُّ وراءها القطاع الاقتصادي الخاص والمنظومة الاقتصادية برمتها.
وقد تطلب هذا التوجه إحداث عدد كبير من هذه المؤسسات والمنشآت العمومية فوق رصيد عقاري كبير وشاسع وفي مواقع استراتيجية من مختلف أنحاء البلاد. وبالفعل مكّن هذا الرصيد العقاري الممتد والشاسع عددا منها على أن تولد «كبيرة» ونجح أغلبها في استغلاله على الوجه الأفضل لتكون في مستوى المسؤولية التي أحدثت من أجلها، على امتداد سنوات، على غرار شركات الفولاذ وعجين الحلفاء (الورق) واللحوم والسكر ودواوين الأراضي الدولية وفسفاط قفصة وشركات النقل البري والبحري والجوي والمستشفيات والوكالات والدواوين المختلفة..
لكن اليوم، وأمام ما أصبحت تعيشه أغلب المؤسسات والمنشآت العمومية من حالة ضعف وتراجع للنشاط وبلوغ بعضها حافة الإفلاس، بات ذلك الرصيد العقاري الشاسع والممتد على آلاف الهكتارات بكامل أنحاء البلاد مُهملا وغير مستغل. وأكثر من ذلك، أصبح المشهد في عديد المؤسسات العمومية مؤلما بالنظر الى حالة الخراب الكبيرة التي اصابت المباني وبعض مواقع الإنتاج في تلك المؤسسات وتحول بعضها الى مكان يرتاده المنحرفون فيما تعرض البعض الآخر إلى محاولات استيلاء من الخواص دون أن تستفيد منها الدولة.
عقارات شاسعة وآلاف الهكتارات من الأراضي البيضاء غمرتها الأشجار والاعشاب الطفيلية وبنايات كبرى مهجورة وتجهيزات أصابها الخراب، توحي بأن الدولة في غنى عنها تماما وليست في حاجة إليها رغم مواقعها الاستراتيجية الهامة وما تمثله من ثروة لا تقدّر بثمن ورغم ما تمر به المؤسسات العمومية وميزانية الدولة من صعوبات. والغريب أن عددا منها يقع في مواقع استراتيجية هامة بالعاصمة وضواحيها بأغلب المدن الكبرى وبعض المناطق السياحية، دون اعتبار العقارات الفلاحية المهملة التابعة ايضا لمؤسسات عمومية في عدد من المناطق الريفية.
اليوم، بإمكان هذا الرصيد العقاري المهمل أن يتحوّل إلى أحد أبرز حلول إنقاذ وإصلاح المؤسسات العمومية المُفلسة وأن يمثل متنفسا لميزانية الدولة. ويمكن ان يكون ذلك إما من خلال إعادة تهيئته لفائدة المؤسسة العمومية ذاتها لاستغلاله في احد أنشطتها التي تعود عليها بالفائدة، أو التفويت فيها او في جزء منها إلى الخواص أو من خلال تثمينه واستغلاله من الدولة نفسها عبر إحداث أقطاب صناعية أو خدماتية وتسويغها للخواص، أو لإحداث بنايات إدارية تخفف عن الدولة عبء تسويغ بعض المباني الوزارية والإدارية او لبعث مشاريع سكنية.
تساؤلات عديدة حول أسباب كل هذه «السلبية» واللامبالاة من الدولة تجاه رصيد عقاري كبير وثروة مهدورة لا تُقدّر بثمن يقع تجاهلها واهمالها في حين أن تثمينها وحسن التصرف فيها، بأية طريقة كانت، يمكن أن يعود بالفائدة على ميزانية الدولة وعلى المؤسسات العمومية المعنية وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام. وهو ما يقتضي تحركا من الوزارات المعنية التي تخضع لاشرافها تلك العقارات المهملة التابعة للمؤسسات العمومية وكذلك وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية والقيام بجرد واسع لكل هذه العقارات وإعداد استراتيجية كاملة لتثمين هذه الثروة الوطنية المهملة في وقت تحتاج فيه الدولة إلى التوجه نحو كل الحلول الممكنة للإنقاذ والإصلاح..
فاضل الطياشي
